جاء في مذكرات الملك عبدالله بن الحسين التي صدرت عام 1962م ما نصه :
"ثم حدثت حوادث الشام وخرقت فرنسا حرمة الحق والعهد، وهجومها على سوريا والكارثة التي حلت بخروج الملك فيصل منها ثم ما حدث على الوزراء السوريين الموالين لفرنسا في درعا، وطلب اهل الاخلاص من انصار القضية العربية في سوريا ارسال من ينوب عن الملك فيصل من الشخصيات الملكية في البيت الهاشمي، وقد كنت حينذاك لا اشتغل بوظيفة، فأستأذنت والدي، وطلبت اليه ان يحملني تبعات هذه الحركة شخصياً، فاذن لي، وتوجهت من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ومنها بالخط الحديدي الى معان فوصلنا بمشقة شديدة - لخـراب الخط - بعد شهر وكان الوصول بتاريخ 11ربيع الاول 1339هـ الموافق 21 تشرين الثاني 1920م
ويتحدث جلالة الملك الشهيد عن يوم وصوله الى معان فيقول:
"وقوبلت بحماس من اهل معان وباديتها، ووجدت هناك الامير آلاي غالب بك الشعلان اي (غالب باشا الشعلان)، وكان هذا يقود فرقة الهجانة العثمانية في المدينة المنورة، ولطالما اصطدمت قواته بالمفارز العربية الهاشمية، ثم ترك المدينة الى تركيا وعاد واثبت اخلاصه وترقى الى ان صار في رتبة امير لواء في الجيش العربي رحمه الله، ووجدت هناك الرئيس عبدالقادر الجندي (عبدالقادر باشا الجندي الآن)/ والرئيس محمد علي العجلوني، والمرحوم خلف بك التل وغيرهم..
يلخص ما كتبه عبدالله بن الحسين في مذكراته الاسباب التي دفعت به لتحمل تبعات هذه الحركة لينوب عن فيصل في بلاد الشام، وعندما وصل الامير عبدالله الى معان كانت قد انتهت مرحلة الاتصالات الاردنية البريطانية ووضع اهل شرق الاردن ميثاق ام قيس الذي ينص البند الاول فيه على ان يتولى امر شؤون البلاد اميـر عربي .....
لقد اكتسب ابناء الشريف الحسين بن علي مكانة خاصة في نفوس العرب جميعاً ... فقد كان اهل العراق ينتظرون قدوم الامير عبدالله بن الحسين للبدء بتأسيس دولة هناك وكانت حكومة الحجاز قائمة بقيادة الملك الشريف الحسين بن علي، ومن ثم نجله "الامير" الملك علي بن الحسين ...." وفي الشام كانت المملكة العربية السورية بقيادة الملك الدستوري بموجب مقررات المؤتمر السوري العام في 8 اذار 1920م الذي نادى بجلالة الملك فيصل بن الحسين ملكا على سوريا باقاليمها الاربعة .....
وبوصول الامير عبدالله بن الحسين الى معان فانه قد وصل الى ارض حجازية حينها، وفور وصوله بدأ اتصالاته من اجل سوريا الكبرى، وبدأ عمله باصدار منشور في 5 كانون الاول 1920م، ودعا كل اعضاء المؤتمر السوري العام والضباط العرب في الجيش السوري وشيوخ العشائر الى الالتحاق به في معان، واعلن انه نائب ملك سوريا... ويذكر الامير عبدالله انه تلقى اجابات مختلفة، ولكن موقف اهل شرق الاردن كان مختلفاً وهنا يقول سمو الامير: "وكان موقفي بعيدا عن التقول الحسن، ولكن كان الامر على خلاف ذلك في شرقي الاردن، فقد هـرع الناس اليّ يدعونني الى عمـان فكنت اجيبهم بانني فاعل ان شاء الله ..."
اما منشور الامير عبدالله بن الحسين الى اهل سوريا الذي صدر من معان فقد نص على ما يلي:
لا اجد في نفسي ادنى ريب او اقل شبهة، في ان ابناء الوطن السوري سيتلقون بياناتنا التالية بقلوب ملؤها التصديق والاخلاص . فليعلم ابناء سوريا ان ما اصابهم من الضياع المحزن، من اعتداء رجال الاستعمار الفرنسي على وطنهم ومبادرتهم بسرعة فظيعة غريبة لهدم عرشهم في اول سعيهم لتشكيل حكومتهم التي وضعت اساسها على سياسة الولاء والصداقة لكل الامم على الاطلاق، وقد اثر هذا على حواس كل عربي على وجه الارض، وفي الوقت نفسه نعلم علماً يقيناً ان ابناء سوريا الكرام هم من جملة المفاخر العربية وركن من اركان الجامعة القحطانية والعدنانية لا يرضون بالذل ولا ينقادون الى من جاء لاهانتهم في عقر دارهم، وانهم لا يعذرون ابناء جنسهم اذا منعوا عنهم يد المعونة والمدد في مثل هذه الاونة الخطيرة ..
كل عربي يعلم انكم يا ابناء سوريا تستنصرون وتستثيرون حميته ليأتيكم مسرعا ملبياً مقبلاً غير مدبر ... ومن حيث توالت علينا الدعوات وصمًّتَْ آذاننا الصرخات، فها انا قد اتيت مع اول من لبًّاكم نشارككم في شرف دفاعكم لطرد المعتدين عن اوطانكم بقلوب ذات حمية وسيوف عدنانية هاشمية ....." .
هذه المقدمة لبيان الامير عبدالله بن الحسين انما هو القاء الضوء على الحقبة الزمنية تلك التي كان العرب خلالها منقسمين الى ثلاثة اقسام في اسيا: هي بلاد الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي، وبلاد الشام ، هذه التي تشكل اركان الجامعة القحطانية العدنانية والتي اشار الامير عبدالله اليها، ويؤكد من جديد الامير عبدالله على هدفه الرئيسي وهو انقاذ عرش سوريا انتصارا للحمية العربية .... ويكمل الامير عبدالله منشوره لأهل سوريا فيقول : "ليعلم من اراد اعانتكم وابتزاز اموالكم واهانة علمكم واستصغار كبرائكم، ان العرب كالجسم الواحد اذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم .
ليعلم ابناء سوريا ان هؤلاء المعتدين قد عدوكم من جملة من ادخلوه تحت عار استعمارهم وضعوهم في مصاف الزنوج والبرابرة، وظنّوا انكم لستم من ذوي الغيرات واصحاب الحميات .
كيف ترضون بان تكون العاصمة الاموية مستعمرة فرنسية؟ ان رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي كما يعلم الله، نصرتكم واجلاء المعتدين عنكم .
يؤكد الامير عبدالله هنا على ضرورة التعاضد من اجل انقاذ سوريا، وهنا يستكمل سموه في حديثه فيقول: وها انا ذا اقول ، ولا حرج، بانني قد قبلت تجريد بيعة مليككم فيصل الاول عن الاكثرية الغالية التي جددت تلك البيعة على يدي .....
وانني ساعود ان ابقاني الله حيا الى وطني يوم نزوح عدوكم من بلادكم وعلى هذا اليمين بالشرف ... وامركم حينئذ وبلادكم بايديكم، متعكم الله بالعز والسؤدد والرفاهية والمجد ....
لقد احدث وجود الامير عبدالله في معان واتصالاته ودعوته للعرب للاجتماع للبدء في العمل انتصارا للقومية وللنهضة ولمعاني العروبة والاصالة ولعل اهم الاثار التي تركها هذا الحدث :
اولاً : التاكيد على ان مبادئ النهضة العربية هي مبادئ تطبيقية عملية جاءت لتبقى حية في النفوس ترتقي بالانسان العربي بما يليق ومكانته الصحيحة
ثانياً: ان الجميع يعمل لهدف واحد وان اختلف المكان ....
ثالثا: عززت اجراءات الامير عبدالله هذه، موقف الامير فيصل الذي كان قد وصل الى لندن بعد رحلته من حيفا الى بورسعيد ثم الى ايطاليا وبعدها الى لندن حيث قابل الملك جورج الخامس، الذي اكد بدوره ان القضية العربية ستكون موضع اهتمام بريطانيا وقد ارسل فيصل مضمون اتصالاته ببرقية لشقيقه عبدالله في معان.
وقد جاءت ردود الفعل ما بين مشكك ومؤيد لما يجري، ولكن العرب في غالبيتهم اذا ما اخذنا تلك الظروف السائدة كمقياس حكم فانهم يتجهون نحو قبول ارساء الدول العربية واستمرار المملكة العربية السورية التي انشأها فيصل في سوريا ....
وهنا نورد ما حدث بين الامير عبدالله ومظهر بك رسلان الذي كان متصرفا للسلط حينها ...
فقد خشي مظهر رسلان تطورات الوضع فارسل رسالة الى الامير عبدالله وهو في معان يقول فيها :
" انه بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرق الاردن ، فان كانت هذه الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الاغراض سياسية فالحكومة ستتخذ كل الاسباب المانعة لزيارتكم ....."
هذه كانت رسالة مظهر رسلان زعيم الحكومة الوطنية الذي اصبح فيما بعد رئيس الوزراء لاحدى حكومات شرق الاردن وكان من الرجال المخلصين الاوفياء، وهنا نورد اجابة الامير عبدالله بن الحسين.
"انني سأزور شرق الاردن زيارة احتلالية، وانا عينت من الحكومة العربية الملكية بسوريا، وانني انوب الآن عن جلالة الملك فيصل، ويجب ان تعلم ذلك، وانه لمن واجبك تلقي الاوامر من معان والا فسيعين غيرك محلك ".
كانت هذه الاجابة قبل ايام قلائل من مغادرة الامير عبدالله معان باتجاه عمان ... كانت هذه الاجابة، اجابة قائد مصمم على تحقيق الهدف، لا يخشى ، في سبيل الحق والاهداف السامية شيئاً .
وهكذا ابتدأ الركب الهاشمي يتنقل من معان الى عمان الذي ابتدأ محمله في يوم الاثنين في 20 جمادى الثانية سنة 1339هـ . الموافق للثامن والعشرين من شباط من عام 1921م .....
تحدثنا عن وصول سمو الامير عبدالله بن الحسين الى معان في 21 تشرين الثاني 1920م وبدء اتصالاته لتحقيق الاهداف التي من اجلها وصل الى هذه المنطقة... هذه الاهداف التي باركها الشريف الحسين بن علي الذي ودع نجله عبدالله عند مغارته مكة المكرمة- والذي انتقل الى المدينة المنورة ليبدأ رحلته من هناك الى معان والتي استغرقت سبعة وعشرين يوماً رافقه فيها الشريف شاكر بن زيد وعلي إبن الحسين الحارثي الذي كان له الدور في الاتصالات في شرق الاردن والشريف محمد علي البديوي ومنصور بن فتن وعقاب بن حمزة والشيخ مرزوق التخيمي الهيمق ومحسن الحارثي وحسن الشقران، وعدد من الضباط العراقيين وهم دادود المدفعي ومحمود بك الشهواني وسعيد الطلال .
عمان ووصول ركب التأسيس
انطلقت رحلة التأسيس يوم الاثنين 28 شباط1921م لتحط الرحال في عمان في ظهر يوم الاربعاء 2 اذار 1921م ليكون ذلك اليوم، يوم ميلاد شرق الاردن الذي نما واكتمل ليصبح المملكة الاردنية الهاشمية في 25 ايار 1946م...
وقد قام سمو الامير عبدالله بوداع اهل معان الذين احسنوا الضيافة وكانوا اهل الكرم والجود والاصالة، وخطب سموه في الجمع كلمة مختصرة هي سامية في معناها حيث قال سموه :
" انني الآن مودعكم، واود ان لا ارى بينكم من يتعزى الى اقليمه الجغرافي ، بل احب ان ارى كلا منكم ينتسب الى تلك الجزيرة التي نشأنا فيها وخرجنا منها، والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي .....
غادر الامير عبدالله معان بعد ان تهيأت الظروف وبعد ان قدم اهل شرق الاردن عريضة لسموه رفعها "سعيد خير" والذي ترأس حملة لجمع التبرعات لتمويل رحلة التأسيس " هذه العريضة التي وقعها العديد من زعامات شرق الاردن احدثت اثراً كبيراً لدى القيادات البريطانية وحركت بعض الاتجاهات المعارضة ... فعندما وصل سموه الى محطة الجيزة يوم الثلاثاء الاول من اذار 1921م، اعترض سموه عند باب القطار مظهر رسلان حاكم السلط حينها وقال لسمو الامير :-
ارجو ان تعودوا الى معان، فان المعتدين البريطانيين في شرق الاردن قد انسحبوا الى فلسطين واخلوا الطريق لفرنسا كي تخرجكم ان دخلتم ""
وهنا يصف الامير عبدالله هذا الموقف في مذكراته فيقول:
".... وكانت يده ترتجف وهو متعلق بشباك عربة القطار، فقلت له: لا بأس عليك ولا خوف علينا، ثم دفعت يده من ملتزمها فانحط الى الارض ....."
استقبل سموه في محطة الجيزة شيوخ القبائل من بني صخر واكرموا وفادة الامير ومن بصحبه من شيوخ الحويطات والكرك ومعان الذين رافقوه في رحلة التأسيس هذه ... واقام سموه ليلته بين عشيرته واهله وفي اليوم الثاني الاربعاء اكمل القطار رحلته الى عمان ليحط في ماركا الشمالية الساعة الحادية عشر ظهراً من يوم الاربعاء الثاني من اذار من عام 1921م ويستقبله اهل عمان وشيوخ المنطقة والشراكسة واهل ناعور ووادي السير وغيره .
لقد كان الاستقبال ليؤكد تصميم شرق الاردن على الارتقاء في البلاد نحو الافضل واكد ايضا على الاجماع على قيادة الامير الهاشمي عبدالله بن الحسين لهذه الديار ......
ورغم معارضة بريطانيا لقدوم الامير عبدالله الى عمان ومحاولتها ثني سموه عن طريق التشويش وتوزيع المنشورات المضادة رغم ذلك فقد كان المستر كيركبرايد ببزته العسكرية في مقدمة المستقبلين حيث كان يمثل بريطانيا في عمان ويرتبط بالسير هربرت صموئيل في فلسطين .....
اول خطاب هاشمي فوق ارض الاردن
في اليوم التالي الخميس 3 اذار 1921م خطب سمو الامير عبدالله في الجموع، وتالياً نص هذا الخطاب الاول فوق الارض الاردنية :
"سروركم بنا وترحيبكم لنا واجتماعكم علينا امر لا يستغرب . انتم لنا ونحن لكم وانني لم اغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم ووطنيتكم امر لا يخفى على الكون كله، وضالتكم المنشودة هي عبارة عن حقكم الذي تطلبونه، ويمكنني ان اقول بأن الله لا يترككم هكذا، واني اقول لكم بانه اذا جاء الوقت لاستعمال ما تستعمله الامم من القوة عند ذلك تثبتون بانكم ما وجدتم ضعفاء، ولكن لا تموتوا بلا شرف، فلا اريد منكم الا السمع والطاعة، وما جاء بي الا حميتي وما تحمله والدي من العبء الثقيل. ولو كان لي سبعون نفساً بذلتها في سبيل الامة لما عددت نفسي اني فعلت شيئا" .
هذه هي اول كلمات الامير الهاشمي عبدالله الذي تحمل المشاق والاعباء وواجه الصعاب والتحديات، سواء من بعض اهل البلاد او من اصحاب النفوذ لكن ارادة الامير الهاشمي هي التي اكدت حقيقة ان الحق سيعلو مثلما كان يعلو هذا الحق على صفحات الجريدة الاولى في شرق الاردن، جريدة الحق يعلو التي كانت تصدر في معان .....
ويتحدث سموه في كتاب المذكرات في الصفحة 165 فيقول :
" وبعد الدخول جرى احتلال المنطقة بكاملها وكانت تصدر الاوامر من عمان .... وكان الناس في فترة لا يزور احدٌ احداً، البلقاء للبلقاء ، وعجلون ولواؤها لعجلون واهله، والكرك والطفيلة كذلك، فجمعنا كل هذه الاقطار ووحدنا وزال الخلاف بينها .
مفاوضات التأسيس وتكوين الدولة الاردنية
وصول الامير عبدالله بن الحسين الى شرق الاردن هو الوصول الى منطقة سوريا الجنوبية التي تقع جنوب خط اتفاقية سايكس بيكو، ولم يغب عن باله ابدا النضال من اجل اعادة الامور الى وضعها الصحيح في دمشق ... وهنا بدأت الاتصالات مع السير هربرت صموئيل في القدس في الوقت الذي تواجد فيها المستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية وايضا كان المستر لورنس "يتواجد في السلط حينها ... واجتماع هؤلاء في هذه المنطقة انما هو لسببين :
اولا : مراقبة فرنسا ومدى التزامها باتفاقية سايكس بيكو، اضافة لتطور الاوضاع في داخل سوريا ولبنان .
ثانيا: متابعة الوضع في شرق الاردن إثر وصول الامير عبدالله بن الحسين رغم التحذيرات البريطانية تلك التي اظهرت القلق من الوضع الجديد والذي ازداد الآن .....
ارسل المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل العديد من التقارير الى الحكومة البريطانية بدءاً من مطلع شهر كانون الثانـي 1920م تتحدث عن ازدياد النشاط الهاشمي في المنطقة، وان الامير عبدالله لديه خطة لمهاجمة الفرنسيين في دمشق، وان عمان اصبحت مركزاً لكل الاحرار والوطنيين التي كانت تسميهم السلطات الفرنسية والبريطانية بالخارجين عن القانون ...
كانت هذه الاحداث تتسارع في عمان، والشريف الحسين بن علي يتابع الوضع من الحجاز، وهنا ارسل الشريف حسين برقية للامير يقول فيها :
ان وزير المستعمرات البريطاني المستر تشرشل موجود في القدس وربما طلب زيارة وادي عربة او رغب في ان يدعوك الى القدس ليراك، فاذا كان احد الشقين من رغباته فاتم ذلك بكل اكرام ورعاية ..."
ولم يمضِ وقت طويل حتى استلم سمو الامير عبدالله دعوة من السير هربرت صموئيل يدعوه لزيارة القدس ومقابلة وزير المستعمرات ونستون تشرشل ... واجاب سمو الامير الدعوة وانتقل الى السلط والتقى هنا بـ لورانس الذي كان بانتظاره، وغادروا عبر وادي شعيب باتجاه القدس ويتحدث الامير عبدالله عن هذه الزيارة فيقول " وتوجهنا في اليوم التالي الى القدس، وتغدينا بالطريق عند المدفع التركي المقذوف في نهير شعيب ، وكان معي في سيارتي "لورنس" وكانت سيارة عسكرية بريطانية يقودها جاويش بريطاني. وكان معي في الركب كل رجالات سوريا وفلسطين ورأيت بالنزل في اريحا جل اعيان فلسطين وعلى رأسهم موسى كاظم الحسيني رحمه الله، ومن علماء، واعيان ومحامين ورؤساء روحيين فكانت خطب حماسية واجوبة مناسبة ....
ويستمر سموه في وصف لقاء ذلك اليوم وما دار من مداخلات مع هربرت صموئيل ومع لورنس الذي لم ينفك عن نقل افكار صموئيل للامير عبدالله وهما في طريقهما من السلط الى القدس ....
لقد كان واضحا ان بريطانيا تسعى لاعادة ترتيب اوضاع المنطقة، ليس من اجل مصالح سكان المنطقة واوضاعهم وانما حفظا للمصالح البريطانية وللنفوذ والوجود البريطاني في المنطقة الذي اصبح مهددا بسبب النفوذ الفرنسي ... ومن هنا كانت مطالبة هربرت صمئيل لحكومته مستمرة لان ترسل بريطانيا قوات عسكرية لاحتلال شرق الاردن.... وقد كان يقلق بريطانيا حينها الوضع في العراق حيث برزت مسألة عرش العراق، ويقلقها ايضا النشاط الهاشمي والتفاف الشعب حول الامير عبدالله بن الحسين ... اضافة لعدم ارتياحها لمواقف الشريف الحسين بن علي المتشددة والثابتة من القضايا العربية " ولعل هذه كانت محاور المباحثات ما بين الامير عبدالله وونستون تشرشل هذه المباحثات التي ضمت المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل والسكرتير العام لفلسطين السير " وندهام ديدس: والكولونيل "لورنس" ومن الجانب العربي كان عوني عبدالهادي ...
ويصف سمو الامير عبدالله بن الحسين طبيعة هذا الاجتماع وما دار به حيث يقول في النسخة الاصلية لمذكراته صفحة 168 :
"ففتح الحديث وزير المستعمرات بذكر المقاصد الطيبة التي جمعت بريطانيا والعرب في الحرب وبالامال المنوطة بتلك الروح وبذكر التعاون الذي حصل في الحرب ، ثم ذكر جهود بريطانيا في الحيلولة دون حدوث جديد بين فرنسا والعرب، ثم قال: "لذلك ولان انكلترا محايدة في القضية بين العرب والفرنسيين وهم حلفاؤها - فانها تنصح- وهو يبلغ هذه النصيحة اليّ - بلزوم انصراف الامير فيصل بن الحسين عن سوريا وسفره الى العراق ليرشح نفسه لمُلك العراق .... وان الحكومة الانجليزية تعلم ان فرنسا لا تشتغل بوجه الا للشخص الذي تعتمد عليه، وان طلاب عرش العراق كثيرون منهم ابن النقيب، ومنهم ابن سعود، وخزعل علي خان، وانه يجب على ان اساعد على هذا الغرض وأوثر على والدي ان يقبل به، وان اؤثر العراق ان يرضوا بالامير فيصل وان ابقى هنا في شرق الاردن على تفاهم معهم، فاسير في الناس سيرة تبتعد عن تحدي الفرنسيين، وانه اذا تم هذا فانه يؤمل ان تعيد فرنسا النظر في الامر، وبالنتيجة فانه يعتقد الاستطاعة بعد ستة اشهر في ان يهنينا برجوع الشام الى ايدينا .... ."
لقد استمرت المناقشات والمباحثات التي تناولت قضايا مختلفة وسموه يفكر في مستقبل هذه الامة، وانه يعمل من اجل صالحها وبمشورتها وهذا واضح من كلماته التالية في ختام المباحثات:
اما فيما ينبغي ان اعلمه هنا فانني اوافق على وجاهة الرأي، ولكن لا استطيع قبوله حتى اعرضه على زعماء البلاد واحزابهم، وهم هنا معي ومن غاب فله من يمثله، واجيبكم غداً في مثل هذه الساعة، اما اهل فلسطين فهم يرفضون وعد بلفور ويصرون على عروبة فلسطين، وكذلك ولا نستطيع ان نرضى بفناء اهل فلسطين من اجل يهود العالم، وانهم ليسو كالنبات او الشجر كلما قُلم نبت ولهذا شأن يطول ...."
وانتهت المباحثات هذه بقرار زيارة هربرت صموئيل الى عمان لوضع الاساس للاتفاق على تشكيل للادارة في جميع نواحيها/ الجيش، المال والمعارف،و العدلية وسائر الفروع .....
اننا ونحن نتحدث عن نشأة الدولة الاردنية علينا ان ننظر للوقائع والاحداث بالمنظار الملائم الذي به ندرك الظروف والاوضاع التي كانت سائدة في العقد الثالث من هذا القرن ... وقد نتوقف كثيرا ومليا عند بعض الاحداث ولا نستطيع تصور مجرياتها لتأثرنا بخصائص هذا العصر الذي يشهد تحولات وتغيرات سياسية هذه نفسها ستكون غريبة عن الجيل الذي سيأتي بعد ستين او سبعين سنة .
لقد نشأت الدولة الاردنية في ظروف سادتها الاطماع الاستعمارية التي اهملت رغائب الشعوب واصابها الغرور والغطرسة بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الاولى ووجدت نفسها امام تركة كبرى تلك التي اصطلح عليها " المسألة الشرقية" فاغرقت هذه الدول في اسلوبها وعقد الاتفاقيات حولها .
مباحثات الامير عبدالله بن الحسين في القدس مع ونستون تشرشل استغرقت 3 جولات في 28و29و30 اذار 1921م، والتي تم فيها بحث العديد من القضايا في ضوء ما افرزه مؤتمر الشرق الاوسط في 12 اذار 1921م، وكذلك توصيات لورنس وتوصيات واقتراحات هربرت صموئيل، اضافة للمطالب اليهودية باعتبار ارض الاردن هي جزء من وعد بلفور، ولكن نجاح الامير عبدالله في مفاوضاته مع تشرشل كان سببا في اصدار قرار من عصبة الامم التي كانت تمثل الشرعية الدولية حينها بالاعتراف بشرق الاردن كوحدة جغرافية وسياسية مستقلة وقد صدر القرار في 23 ايلول 1922م وقد نص هذ1 القرار الذي وافقت عليه عصبة الامم على ما يلي :
" لاتطبق المواد التالية من صك الانتداب الفلسطيني على القطر المعروف باسم شرقي الاردن والذي يشمل جميع المقاطعات الواقعة الى شرق خط يمتد من نقطة واقعة على خليج العقبة على بعد ميلين الى الغرب من بلدة العقبة، ماراً من منتصف وادي عربة والبحر الميت ونهر الاردن حتى المنطقة التي يلتقي فيها هذا النهر بنهر اليرموك ثم منتصف هذا النهر حتى الحدود السورية" ...
انتهت مباحثات الامير عبدالله مع ونستون تشرشل في 30 اذار 1921م، ليعود بعدها سموه الى عمان وليشرع بتشكيل اول حكومة اردنية في الحادي عشر من نيسان من عام 1921م برئاسة رشيد طليع وهو درزي وقد سمي الرئيس حينها باسم " الكاتب الاداري" " وسمي المجلس بــ "مجلس المشاورين" الذي تشكل من سبعة اعضاء هم :
رشيد طليع كاتبا اداريا ورئيس مجلس المشاورين ووكيل الخارجية
الامير شاكر بن زيد(حجازي) نائب لشؤون العشائر
الشيخ محمد الخضر الشنقيطي قاضي القضاة
(حجازي) مظهر بك رسلان (سوري) مشاور العدلية والصحة والمعارف
علي خلقي بك مشاور الامن والانضباط
حسن بك الحكيم مشاور المالية
احمد مريود معاون نائب العشائر
لقد اسرع الامير عبدالله بن الحسين في تشكيل هذه الحكومة استعداداً لزيارة المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل، وقد كانت هذه خطوة دستورية لها اهدافها لاظهار القدرة الاردنية بقيادتها الهاشمية لان تتحمل مسؤولياتها في ظروف صعبة ودقيقة للغاية ....
وفي 17 نيسان 1921م قدم هربرت صموئيل الى عمان ومعه السكرتير الاداري والمدني "وندس" ولورنس واللورد ادوارد هاي " (Edward Hay) وتعتبر هذه اول زيارة لممثل دولة عظمى لهذه الدولة الناشئة التي مضى على وجودها فقط ستة واربعون يوماً وكحكومة خمسة عشر يوماً وقد تبادل سمو الامير، والمندوب السامي الكلمات وجاء في كلمة المندوب السامي :
"كان من دواعي سروري انني حظيت بمقابلة صاحب السمو الامير عبدالله بدار الحكومة في القدس بمناسبة زيارته لفلسطين، كما حظيت بمقابلة السير ونستون تشرشل احد اعضاء الوزارة الانجليزية
ان الحكومة البريطانية ترحب بالفرصة السانحة للتعاون في شرقي الاردن مع سمو الامير عبدالله، الذي لها في حسن نيته وصداقته كل ثقة، وهي تقدر قيمة الصداقة وحسن النية التي تجلت في خلال هذه الحرب الضروس التي دارت رحاها في كل هذه المدة الطويلة، وتعلم الحكومة البريطانية كما تقدر الخدمات التي قدمتها جيوش العرب في ذلك الكفاح وترغب في ان توطد زمن السلم دعائم التحالف الذي بنى خلال هذه الحرب ...")
وكان جواب الامير عبدالله بكلمة موجزة تلخص فكرة العروبة لهذه الدولة الناشئة حيث قال سموه : انني اشكر فخامتكم على خطتكم القومية واقول بالاصالة عن نفسي وبالنيابة عن الحاضرين ان الامة العربية ستبرهن على انها قادرة على تحقيق الامال التي وضعت فيها وانها جديرة بكل ما تساعدهم فيه حليفتهم الكبرى.
استقرار الدولة والاستقلال الاول
رغم ان احداثا عديدة قد وقعت في منطقة شرق الاردن استهدفت امن البلاد واستقرارها الا ان سمو امير البلاد استمر في خطته التي تستهدف تحقيق الاستقلال واستكمال اجراءات الدولة الدستورية، ولهذه الغاية فقد قام سموه وبمعيته الرئيس رضا الركابي بزيارة الى لندن في 3 تشرين اول 1922م وعاد في مطلع كانون الثاني عام 1923م بعد مفاوضات طويلة اسفرت عن مشروع معاهدة اردنية بريطانية بحيث بقي رئيس مجلس المستشارين لاتمام مراسيم التوقيع عليها وقد تحدث سموه عن زيارته حيث قال:- لا شك انكم تتطلعون الى ما ستسمعونه عن رحلتي وانها والحمد لله فيها كل ما هو مطابق لمصالحكم ورغائبكم، خصوصا امر استقلال منطقتكم فانه الجزء المهم من سلسلة التشبتات التي ستطلعون على تفاصيلها بعد قدوم دولة رئيس المستشارين المتخلف هناك لانهاء هذه الاغراض .....
وعلاوة على هذا اقول لكم انني رجعت وكلي رجاء في الوصول بمشيئة الله الى النتيجة الحسنة فيما رمت اليه النهضة العربية المستندة الى الآمال القومية وانني كما قلت للجموع في موقفي هذا عند قدومي الى هذه المنطقة كما تتذكرون، من انه لو كانت لي سبعون نفساً فقدمتها كلها في سبيل القومية والوطن لما رأيتني قمت بالواجب . ويواصل سموه حديثه: ولكن لخدمة الوطن وجوهاً ولكل وجه سبباً، وافضل تلك الوجوه واسلمها عاقبة اقلها ضرراً، ومع انني عالم بثقل ولوازم الوطن ومقتضياته ومتاعب الوصول الى غاياته، اقول ان كل هذه الصعاب ستذلل ان شاء الله بالحكمة القومية والتعقل العبقري اللذين ورثتموهما عن ابائكم مع الاتكال على الله في كل الاحوال:-
ويضيف سمو الامير عبدالله فيقول:-
ويحسن بي القول هنا ايضا انني قد عدت من هذه الرحلة وانا مشاهد آثار المودة البريطانية التي سنجني باستمرارها حقائق المنافع المرموقة، وكما انني عظيم الرجاء في أن الحكومة الفرنسية الفخيمة الموجودة الآن، على الوجه المعلوم بالقسم الشمالي من وطننا المحبوب، لا تحمل حقداً على قوميتنا وقضيتنا واننا بمشيئة الله سنصل قريبا الى اسعاد الوطن كله بتعضيد دولتي التحالف الكبيرتين وانكشاف الامال الشريفة القومية على وجه المطلوب ...."
وقدم سموه الشكر في كلمته لأهل البلاد على احترامهم لسيادة الوطن خلال غيابه ولكل الموظفين الذين قاموا بواجباتهم ويختتم سموه حديثه بقوله : " وهنا اعلن بلسان الصرامة تأكيد عزمي السابق من جعل هذه البلاد دعامة وامان، ترتاح لحسن ادارتها اقطار محبيها خالية من وجود شكاوي قاطنيها ومجاوريها ... واتعشم انني اصبت بهذه الصورة ما يرتأيه محبو الوطن وطالبو الخير له .
والله الموفق لما فيه النجاح والمصوب لما فيه السداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نورد هنا خطاب سمو امير البلاد لانه بحق وثيقة تاريخية تتحدث عن ظروف المفاوضات واهدافها وبتلك الصيغة البليغة التي كان يتحدث بها سموه، صيغة الشعر والادب الذي كان لسموه المجالس الخاصة بهما سواء في قصر رغدان وفي المصلى في الغور الاردني .
ومثلما اختط الاردن طريق بناء مؤسسات الدولة فانه انتقل ايضا الى مرحلة اعلان الاستقلال وقد مر ذلك بمرحلتين
المرحلة الاولى: اعلان الاستقلال في 25 ايار 1923م
المرحلة الثانية: اعتراف بريطانيا بهذا الاستقلال بصفتها الدولة المنتدبـة بموجب قرار عصبة الامم المتحدة الصادر بتاريخ 23 ايلول 1922م وقد جاء هذا الاعتراف في نهاية شهر تشرين الاول 1922م
في 15 ايار 1923م اقيم حفل رسمي شارك فيه رجالات الاردن وفلسطين وايضا السير هربرت صموئيل ومعه الجنرال كلايتون الذي يعمل في المكتب العربي في القاهرة والذي كان له دور كبير خلال عمليات الثورة العربية الكبرى، وقد القى سمو امير البلاد خطبة طويلة استهلها بمقدمة تاريخية عن مجد الامة العربية وما اصاب هذه الامة بعد العهد العباسي من تغييب وطمس ... وهنا يقول سموه" فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواما لها وقائدا لأمورها...."
ويتحدث سمو امير البلاد عن مفاوضاته مع جلالة ملك بريطانيا مثمناً اعتراف جلالته باستقلال هذا القسم من المملكة العربية وان الحكومة ستشرع بتعديل قانون الانتخاب ووضع القانون الاساسي لشرق الاردن .
وشكر سموه كل الذين ساهموا في انجاز المعاهدة او في خطوات الاستقلال وارساء قواعد الدولة، وخص بالشكر المندوب السامي في فلسطين وكبير المعتمدين المستر فلبي (Velbi) وتناول فرنسا في حديثهِ حيث يقول:
" اني لآمل ان يكون موقف الدولة الفرنسية الفخيمة تجاه قضيتنا العربية المقدسة وتجاه القسم الشمالي الباقي من وطننا المحبوب آخذ بها الى عهد جديد كاف للدلالة على احترام ابناء الثورة الفرنسية لحرية الاقوام واستقلالها ...."
ويضيف سموه عن يوم الاستقلال: " واني آمل ان يكون هذه اليوم سعيداً للامة تتخذه عيداً تظهر فيه سرورها وحبورها ومنه تعالى نستمد العون ونسأله ان يطيل بقاء وتوفيق جلالة امير المؤمنين مولانا الحسين بن علي بن محمد بن عون والله ولي التوفيق ...."
ولكن هل كان اعتراف بريطانيا بالاستقلال كاملاً، وهذا ما ورد في حديث هربرت صموئيل في نفس المناسبة ويوم الاحتفال عندما نقل تحيات جلالة الملك جورج الخامس واستعرض الدور العربي في الحرب العالمية الاولى واسنادهم للحلفاء، مما كان له اثر كبير في تحقيق الانتصار، وتناول المعاهدة ما بين بريطانيا والشريف الملك الحسين بن علي والذي قال عنها: ان المعاهدة تدل على ان النهضة العربية قد دخلت في طور جديد ولكن ما يهمنا هنا هو حديثه التالي:
" وها نحن نحتفل الآن، بالاتفاق الذي عقد مع سمو الامير في اثناء زيارته لجلالة الملك جورج والحكومة البريطانية، ولا يخفى عليكم ان الاتفاق ينص على اعتراف حكومة جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن برئاسة صاحب السمو الامير عبدالله بن الحسين، شريطة ان توافق جمعية الامم على ذلك، وان تكون حكومة شرق الاردن دستورية تمكن جلالة الملك من القيام بتعهداتها الدولية فيما يتعلق بتلك البلاد بواسطة اتفاق يعقد بين الحكومتين ..."
واعرب صموئيل عن اعجابه بهذه الدولة الفتية التي شقت طريقها وسط القلاقل والتحديات والاضطرابات سواء من جهة الشرق بالغزوات التي تعرضت لها او من الشمال من مضايقات الفرنسيين وملاحقتهم للوطنيين خاصة بعد حادثة محاولة اغتيال الجنرال غورو .
لقد استمر الاعمار الداخلي وبناء القوات المسلحة والارتقاء بمؤسسات الدولة الدستورية الى ان عقدت معاهدة ما بين سمو الامير عبدالله إبن الحسين وجلالة ملك بريطانيا الذي فوض المارشال "بلوفر" حيث وقعت المعاهدة في القدس في العشرين من شباط 1928م، وقد تضمنت المعاهدة إحدى وعشرين مادة، ويوجد نص هذه المعاهدة في الجريدة الرسمية "جريدة الشرق العربي العدد 185 الصادر بتاريخ 26 اذار 1928م ....
بدء الحياة البرلمانية الاردنية
ولتنظيم شؤون الدولة وارساء قواعد الديموقراطية، فقد جرت اول انتخابات تشريعية وتبعها افتتاح الدورة الاولى للمجلس التشريعي الاولى المنعقد في شرق الاردن يوم السبت الواقع 2 تشرين الثاني 1929م، حيث القى سمو الامير عبدالله خطاب العرش الذي استعرض فيه احداث الساعة ونقتبس من الخطاب ما يلي:
" لقد حمل الي فخامة المندوب السامي البريطاني لشرق الاردن في زيارته الاخيرة نص المعاهدة المبرمة من صاحب الجلالة البريطانية مشفوعة بكتاب من فخامته يقول فيه " انه قد امر ان يحيطنا علماً باعتراف الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن وانه قد عهد الينا بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الاردن وان يُؤَدى الينا ما يُؤدى للامراء الملكيين ورؤساء الدول من تحية مألوفة "-
وتالياً نص الاعتراف باستقلال شرق الاردن والذي صدر في 29 تشرين الاول 1929م
صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن الحسين المعظم امير شرق الاردن بعمان :
" وقد امرت ان احيط سموكم علماً بأنه بناءً على اعتراف جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن وبما انه قد عهد الى سموكم بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الاردن، لذلك اعلن صاحب الجلالة موافقته على اطلاق واحد وعشرين مدفعا تحية لسموكم في الظروف المألوفة وهي التحية التي تؤدى عادة للامراء المالكين ورؤساء الدول ."
وتفضلوا صاحب السمو بقبول خالص احتراماتي
تشانسلور
المندوب السامي لشرق الاردن
وبذلك تحقق استقلال امارة شرق الاردن التي كانت تعرف باسم حكومة الشرق العربي في عام 1929م في التاسع والعشرين من شهر تشرين اول ...
ان قصة تكوين الدولة الاردنية انما هي قصة النهضة العربية التي استهدفت انشاء الدولة العربية التي تنهض باعباء المسؤولية وتؤكد الشخصية العربية وتعيد العرب الى غابر مجدهم ليأخذوا مكانهم الصحيح...
بينما كان فيصل بن الحسين يغادر الديار العربية لم ينس رغم كل الضغوط والظروف وحدة البلاد العربية على اساس فكر ومبادئ النهضة العربية، فكانت اتصالاته وهو في حيفا اسهاما فاعلا في البدء بتشكيل الدولة العربية الاردنية الهاشمية بعدما حصل ما حصل اثر معركة ميسلون، وكان التقدم الهاشمي الجديد نحو بلاد الشام حيث بدأ عبدالله بن الحسين زحفه لتبقى مبادئ النهضة حية ماثلة وليبقى العرب كما هو عهدهم اصحاب استقلال وسيادة، فكانت خطوات التأسيس في شرق الاردن وكان الاستقلال الذاتي في عام 1923م ، ثم الاستقلال المعترف به في التاسع والعشرين من تشرين اول 1929م ....
نشطت اثر هذه التطورات الحركة الديموقراطية في الاردن خاصة بعد ان كفل القانون الاساسي لشرق الاردن الذي صدر في 16 نيسان 1928م وتألف من سبعين مادة في سبعة فصول تناولت حقوق الشعب وواجبات الامير وحقوقه والتشريع والقضاء والادارة ونفاذ القوانين والاحكام ....
وهنا ظهرت عدة احزاب منها حزب الاستقلال العربي الذي تعود نشأته لعام 1921م عندما طلب الامير عبدالله من رشيد طليع تأليف حزب سياسي .... وتشكل حزب العهد العربي الذي اعلن ان برنامجه هو على اساس استقلال جميع البلاد العربية تحت ادارة الملك الحسين بن علي وانجاله ويعود تأسيسه ايضا الى عام 1921م وجمعية الشرق العربي التي دعت الى استقلال سوريا بحدودها الطبيعية وحزب الشعب الاردني الذي تشكل في عام 1927م ... ويتطور العمل الحزبي ليخرج بالمؤتمر الوطني الاول في مقهى حمدان بعمان في 25تموز 1928م والذي دعا الى استقلالية الدولة وحقوق الشعب، هذا المؤتمر الذي انتخب الشـيخ حسـين الطراونة رئيســاً، وتشـكل ايضا الحزب الحر المعتدل والذي تشكلت ادارته من رفيفان المجالي رئيساً، هاشم خير وسعيد المفتي ومحمد الانسي ونظمي عبدالهادي وتشكلت احزاب اخرى بموجب القانون الاساسي لشرق الاردن مثل حزب التضامن الاردني والحزب الوطني الاردني وحزب الاخاء الاردني وعقدت مؤتمرات عدة مثل مؤتمر التضامن الاقتصادي الاول وتشكل هذا المؤتمر من شخصيات منهم ماجد العدوان وحمد بن جازي ودليوان المجالي وخليل المدانات وشمس الدين سامي وحديثة الخريشة وراشد الخزاعي ومحمد الفنيش، وقد ناقش المؤتمر موضوع جدولة ديون المزارعين وتوزيع ضريبة الاعشار وغير ذلك...
ان الفترة ما بين توقيع المعاهدة الاردنية البريطانية عام 1923م، وحتى فترة اعلان استقلال الاردن عام 1946م كانت حافلة بالاحداث، عدا عن النشاط السياسي الديموقراطي الحرّ الذي كفله القانون الاساسي لشرق الاردن فقد حدثت بعض القلاقل الداخلية التي سرعان ما عولجت .... ونشبت الثورة الفلسطينية عام 1936م تلك التي وقف الاردنيون معها، هذه الثورة التي رفعت علم الثورة العربية الكبرى شعاراً لها ولا زال علمها حتى الآن ... وبدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939م هذه التي كررت احداث الحرب العالمية الاولى في المنطقة ... فاشترك الجيش الاردني بفاعلية فيها، وشاركت قواته في منطقة صحراء العلمين، ودخلت القوات الاردنية الى سوريا عام 1941م لقتال حكومة فيتشي (Vichi) الموالية لدول المحور ووصلت قواته الى حمص .... ودخلت هذه القوات الى العراق اثر انقلاب رشيد عالي الكيلاني، واثناء الحرب كانت الاتصالات مع بريطانيا لاعلان الاستقلال التام للدولة الاردنية فكان رد بريطانيا ان انشغالها في الحرب يمنعها حالياً من التفكير في مثل هذه القضايا ... وما ان انتهت الحرب حتى طلب الاردن من بريطانيا ان تفي بوعودها ... فكان ذلك اولا بابرام معاهدة جديدة وقعت بشكل نهائي في 17 حزيران 1946م وقد تألفت من اربع عشرة مادة اضافة لملحق من عشر مواد، وقد نصت المعاهدة على التعاون الثنائي في جميع المجالات وكذلك اعتراف بريطانيا باستقلال شرقي الاردن وان تكون مدة المعاهدة خمسة وعشرين عاماً، وقد ادلى سمو الامير بتصريح حول المعاهدة لجريدة فلسطين التي كانت تصدر في يافا حينها في 12/5/1946م " يقول فيه " انني اعتبر المعاهدة الاردنية الانجليزية بركة على القطر وخير ما يمكنني الحصول عليه، ولا تقل اهميتها بحال عن اهمية المعاهدات العراقية- الانجليزية هذا اذا لم تكن خيراً منها....."
لقد شهدت البلاد تطورات عديدة منذ نشوء الامارة، فقد تضاعف حجم الاردن عام 1925م اثر ضم معان والعقبة بعد اتفاقية "حِدّة" الموقعة بتاريخ 25 حزيران 1925م، ونشطت حركة المقاومة السورية ونشبت الثورة الفلسطينية ومن ثم نشبت الحرب العالمية الثانية .... في ضوء كل هذه الاحداث فان القيادة الهاشمية لم تنس الواجب القومي ولا الواجب الوطني المؤسس على فكر نهضة العرب فقد ادلى سمو الامير عبدالله بتصريح ايضاً لجريدة في يافا قال فيه حينها في 11/5/1946م
" لقد كان هدف والدي بناء عالم عربي موحد ، ويجب ان يتألف في سوريا وشرق الاردن وفلسطين دولة واحدة . ولو لم تكن هذه الدولة مقسمة اليوم لكان في مقدورها الدفاع عن نفسها ضد اي عدوان وتحقيق اماني العالم العربي ....".
لقد كان الاردن اول كيان دستوري عربي يحمل صفات الدولة، وكان هذا البلد النموذج لتكوين الدولة المستقلة، ونقتبس هنا من محضر الاجتماع اثناء لقاء القمة السوري الاردني في عمان بتاريخ 28/11/1950م في عمان الذي ضم اضافة لجلالة الملك عبدالله كلا من الدكتور ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا ومعالي الزعيم فوزي سلو وزير الدفاع السوري حيث قال جلالة الملك عبدالله " اننا نحن آل البيت السبب الاول في رفعة العرب، فمجدهم الاول انبثق من بين يدي محمد صلى الله عليه وسلم ومجدهم الثاني انبثق من لدن باعث الثورة العربية الكبرى، ونحن السبب في ايجاد من نسميهم اليوم باصحاب جلالة واصحاب سمو واصحاب فخامة وغير ذلك ....
ونظراً لهذه التطورات فقد التأم المجلس التشريعي الاردني الخامس في 25 ايار 1946م تُليت فيه مذكرة رئيس الوزراء المؤرخة في 15 ايار 1946م التي تؤيد القرار الخاص باعلان البلاد باسم المملكة الاردنية الهاشمية استناداً لحق تقرير المصير ووعود الامم المتحدة ونظراً للتضحيات التي قدمها الاردن التزاماً بالمعاهدات والمواثيق، وتالياً نص القرار التاريخي الذي يعلن الاردن باسم المملكة الاردنية الهاشمية
" تحقيقاً للاماني القومية وعملاً بالرغبة العامة التي اعربت عنها المجالس البلدية الاردنية في قراراتها المبلغة الى المجلس التشريعي، واستناداً الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية، وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 3 جمادى الاخرة 1365هـ. الموافق 15/5/1946م فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الاردني امر استقلال البلاد الاردنية استقلالاً تاماً على اساس النظام الملكي النيابي، مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها (عبدالله بن الحسين العظيم)، كما بحث امر تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري، ولدى المداولة والمذاكرة تقرر بالاجماع الامور التالية :
اولاً: اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية.
ثانياً: البيعة بالمُلك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية (عبدالله بن الحسين المعظم) بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة (ملك المملكة الاردنية الهاشمية) .
ثالثا: اقرار تعديل القانون الاساسي الاردني طبقاً لما هو مثبت في لائحة قانون تعديل القانون الاساسي الملحق بهذا القرار .
رابعاً: رفع هذا القرار الى سيد البلاد عملاً باحكام القانون الاساسي ليوشح بالارادة السنية حتى اذا اقترن بالتصديق السامي عُد نافذاً حال اعلانه على الشعب ، وتولت الحكومة اجراءات تنفيذه مع تبليغ ذلك الى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية ...
اول ارادة ملكية سامية
صادق جلالة الملك المعظم على قرار اعلان الاستقلال مصدراً اول ارادة ملكية سامية موشحاً القرار بالعبارة التالية :
"متكلاً على الله تعالى اوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً لحكومتي ...." وقد جرى احتفال كبير قدمت فيه وثيقة البيعة بالمْلك وأُهديَ جلالته مصحفاً شريفاً من رئيس بلدية عمان والقيت كلمات عدة رد جلالته عليها بقوله :
" انه لمن نعم الله ان يدرك الشعب بان التاج معقد رجائه ورمز ومظهر ضميره ووحدة شعوره بل انه لامر الله ووصية رسِلَه الكرام ان يطالع الملك بالعدل وخشية الله لان العدل اساس الملك، ورأس الحكمة مخافة الله، واننا في مواجهة اعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميزان اسلافنا، المثابرون بعون الله على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع اخـواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الانسانية كلها....." .
وكان من مقررات الدولة الاردنية اعتبار يوم 8 اذار عطلة رسمية تاكيداً لاحترام عرش فيصل بن الحسين صاحب اول استقلال عربي يعلن حينها بموافقة المؤتمر السوري العام .... وتقرر استمرار رفع علم سوريا الطبيعية واقراره دستوريا كتأكيد على واحد من اهم اهداف النهضة العربية الداعي للوحدة العربية ......
هكذا كان الاستقلال الاردني الناجز ونترك التفاصيل التي تمتلئ بها الكتب التي تتحدث عنها وتزخر بها المكتبة الاردنية وكذلك مراكز حفظ الوثائق .
لقد تطور الاردن دستورياً وهو يزداد تصميماً على تحقيق الوحدة والحرية والحياة الافضل والعمل من اجل خدمة القضايا العربية فقد قاتل الجيش العربي في حرب عام 1948م وقدم الشهداء وحافظ على القدس والضفة الغربية وتمكن من ابقائهما لتكون الضفة الغربية اساس الدولة الفلسطينية …..
وحقق الاردن افضل نموذج لوحدة اندماجية في 24 نيسان 1950م عندما اعلن مجلس برلمان الشعب الاردني والفلسطيني الوحدة التامة، ولم يتوان هذا البلد عن الاشتراك في كل الجهود العربية فكان هو صاحب الدعوة لانشاء مؤسسة القمة العربية التي دعا اليها جلالة الملك الحسين المعظم طيب الله ثراه منذ المؤتمر العربي الاول عام 1964م واكتسب الاردن بفضل قيادته الهاشمية سمعة دولة مميزة جعلته يشارك من خلال قواته المسلحة في عمليات حفظ السلام وواجبات هيئة الامم المتحدة في مختلف بقاع العالم ……..
لقد كان هذا البلد دوماً بلد المبادئ والاصالة والوفاء لقيادته الهاشمية المعتز بانتمائه للثرى العربي، هذا البلد الذي يقول عنه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه:
"وبلدكم الاردن هذا هو وارث مبادئ الثورة العربية الكبرى في الوحدة والحرية والاستقلال لكل العرب، عاش على ساحة عزيزة من ساحات النضال القومي منذ رفرفت في سمائه بقيادة عبدالله بن الحسين وهو قائد من قادة الثورة العربية الكبرى ومؤسس الاردن، وقد التف حوله واعانه العديد من رجال الرعيل الاول واهل السابقة من ابناء الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق والجزيرة العربية وغيرها من ديار العروبة، تجمعهم آمال واحدة وتحدو مسيرتهم غايات واحدة"
نظام الحكم :
نظام الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية ملكي دستوري، ويراعى في تشكيل الحكومة تمثيلها لمختلف الاتجاهات. يتربع جلالة الملك عبد الله الثاني على عرش المملكة، كما يتولى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
يمارس الملك سلطاته التنفيذية من خلال رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. ويعتبرمجلس الوزراء مسؤولاً أمام مجلس النواب المنتخب، والذي يشكل الى جانب مجلس الأعيان الذراع التشريعي للحكومة. وهذا الذراع يعمل باستقلالية تامة. ومنذ عام 1989، عكفت مختلف ألوان الطيف السياسي في الأردن على ترسيخ دعائم الديمقراطية وبناء إجماع وطني. هذه الاصلاحات التي وجه دفتها القائد الراحل جلالة الملك الحسين وضعت الأردن على طريق الديمقراطية الدائمة التي لا رجعة عنها. ونتيجة لذلك، تم تعزيز وترسيخ مشاركة الناس في الحياة المدنية والمساهمة في زيادة الاستقرار وبناء المؤسسية، وهي إجراءات من شأنها أن ترسي دعائم الأزدهار مستقبلاً.
حقائق أساسية :
عدد السكان: 5.16 مليون نسمة
الموقع: يقع الأردن في قلب منطقة الشرق الأوسط الى الشمال الغربي من السعودية وجنوب سوريا، والى الجنوب الغربي من العراق والى الشرق من اسرائيل والضفة الغربية المحتلة. ويتوافر للأردن منفذ الى البحر الأحمر، من خلال مدينة العقبة الواقعة على الطرف الشمالي لخليج العقبة.
الاحداثيات الجغرافية : 29
"ثم حدثت حوادث الشام وخرقت فرنسا حرمة الحق والعهد، وهجومها على سوريا والكارثة التي حلت بخروج الملك فيصل منها ثم ما حدث على الوزراء السوريين الموالين لفرنسا في درعا، وطلب اهل الاخلاص من انصار القضية العربية في سوريا ارسال من ينوب عن الملك فيصل من الشخصيات الملكية في البيت الهاشمي، وقد كنت حينذاك لا اشتغل بوظيفة، فأستأذنت والدي، وطلبت اليه ان يحملني تبعات هذه الحركة شخصياً، فاذن لي، وتوجهت من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ومنها بالخط الحديدي الى معان فوصلنا بمشقة شديدة - لخـراب الخط - بعد شهر وكان الوصول بتاريخ 11ربيع الاول 1339هـ الموافق 21 تشرين الثاني 1920م
ويتحدث جلالة الملك الشهيد عن يوم وصوله الى معان فيقول:
"وقوبلت بحماس من اهل معان وباديتها، ووجدت هناك الامير آلاي غالب بك الشعلان اي (غالب باشا الشعلان)، وكان هذا يقود فرقة الهجانة العثمانية في المدينة المنورة، ولطالما اصطدمت قواته بالمفارز العربية الهاشمية، ثم ترك المدينة الى تركيا وعاد واثبت اخلاصه وترقى الى ان صار في رتبة امير لواء في الجيش العربي رحمه الله، ووجدت هناك الرئيس عبدالقادر الجندي (عبدالقادر باشا الجندي الآن)/ والرئيس محمد علي العجلوني، والمرحوم خلف بك التل وغيرهم..
يلخص ما كتبه عبدالله بن الحسين في مذكراته الاسباب التي دفعت به لتحمل تبعات هذه الحركة لينوب عن فيصل في بلاد الشام، وعندما وصل الامير عبدالله الى معان كانت قد انتهت مرحلة الاتصالات الاردنية البريطانية ووضع اهل شرق الاردن ميثاق ام قيس الذي ينص البند الاول فيه على ان يتولى امر شؤون البلاد اميـر عربي .....
لقد اكتسب ابناء الشريف الحسين بن علي مكانة خاصة في نفوس العرب جميعاً ... فقد كان اهل العراق ينتظرون قدوم الامير عبدالله بن الحسين للبدء بتأسيس دولة هناك وكانت حكومة الحجاز قائمة بقيادة الملك الشريف الحسين بن علي، ومن ثم نجله "الامير" الملك علي بن الحسين ...." وفي الشام كانت المملكة العربية السورية بقيادة الملك الدستوري بموجب مقررات المؤتمر السوري العام في 8 اذار 1920م الذي نادى بجلالة الملك فيصل بن الحسين ملكا على سوريا باقاليمها الاربعة .....
وبوصول الامير عبدالله بن الحسين الى معان فانه قد وصل الى ارض حجازية حينها، وفور وصوله بدأ اتصالاته من اجل سوريا الكبرى، وبدأ عمله باصدار منشور في 5 كانون الاول 1920م، ودعا كل اعضاء المؤتمر السوري العام والضباط العرب في الجيش السوري وشيوخ العشائر الى الالتحاق به في معان، واعلن انه نائب ملك سوريا... ويذكر الامير عبدالله انه تلقى اجابات مختلفة، ولكن موقف اهل شرق الاردن كان مختلفاً وهنا يقول سمو الامير: "وكان موقفي بعيدا عن التقول الحسن، ولكن كان الامر على خلاف ذلك في شرقي الاردن، فقد هـرع الناس اليّ يدعونني الى عمـان فكنت اجيبهم بانني فاعل ان شاء الله ..."
اما منشور الامير عبدالله بن الحسين الى اهل سوريا الذي صدر من معان فقد نص على ما يلي:
لا اجد في نفسي ادنى ريب او اقل شبهة، في ان ابناء الوطن السوري سيتلقون بياناتنا التالية بقلوب ملؤها التصديق والاخلاص . فليعلم ابناء سوريا ان ما اصابهم من الضياع المحزن، من اعتداء رجال الاستعمار الفرنسي على وطنهم ومبادرتهم بسرعة فظيعة غريبة لهدم عرشهم في اول سعيهم لتشكيل حكومتهم التي وضعت اساسها على سياسة الولاء والصداقة لكل الامم على الاطلاق، وقد اثر هذا على حواس كل عربي على وجه الارض، وفي الوقت نفسه نعلم علماً يقيناً ان ابناء سوريا الكرام هم من جملة المفاخر العربية وركن من اركان الجامعة القحطانية والعدنانية لا يرضون بالذل ولا ينقادون الى من جاء لاهانتهم في عقر دارهم، وانهم لا يعذرون ابناء جنسهم اذا منعوا عنهم يد المعونة والمدد في مثل هذه الاونة الخطيرة ..
كل عربي يعلم انكم يا ابناء سوريا تستنصرون وتستثيرون حميته ليأتيكم مسرعا ملبياً مقبلاً غير مدبر ... ومن حيث توالت علينا الدعوات وصمًّتَْ آذاننا الصرخات، فها انا قد اتيت مع اول من لبًّاكم نشارككم في شرف دفاعكم لطرد المعتدين عن اوطانكم بقلوب ذات حمية وسيوف عدنانية هاشمية ....." .
هذه المقدمة لبيان الامير عبدالله بن الحسين انما هو القاء الضوء على الحقبة الزمنية تلك التي كان العرب خلالها منقسمين الى ثلاثة اقسام في اسيا: هي بلاد الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي، وبلاد الشام ، هذه التي تشكل اركان الجامعة القحطانية العدنانية والتي اشار الامير عبدالله اليها، ويؤكد من جديد الامير عبدالله على هدفه الرئيسي وهو انقاذ عرش سوريا انتصارا للحمية العربية .... ويكمل الامير عبدالله منشوره لأهل سوريا فيقول : "ليعلم من اراد اعانتكم وابتزاز اموالكم واهانة علمكم واستصغار كبرائكم، ان العرب كالجسم الواحد اذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم .
ليعلم ابناء سوريا ان هؤلاء المعتدين قد عدوكم من جملة من ادخلوه تحت عار استعمارهم وضعوهم في مصاف الزنوج والبرابرة، وظنّوا انكم لستم من ذوي الغيرات واصحاب الحميات .
كيف ترضون بان تكون العاصمة الاموية مستعمرة فرنسية؟ ان رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي كما يعلم الله، نصرتكم واجلاء المعتدين عنكم .
يؤكد الامير عبدالله هنا على ضرورة التعاضد من اجل انقاذ سوريا، وهنا يستكمل سموه في حديثه فيقول: وها انا ذا اقول ، ولا حرج، بانني قد قبلت تجريد بيعة مليككم فيصل الاول عن الاكثرية الغالية التي جددت تلك البيعة على يدي .....
وانني ساعود ان ابقاني الله حيا الى وطني يوم نزوح عدوكم من بلادكم وعلى هذا اليمين بالشرف ... وامركم حينئذ وبلادكم بايديكم، متعكم الله بالعز والسؤدد والرفاهية والمجد ....
لقد احدث وجود الامير عبدالله في معان واتصالاته ودعوته للعرب للاجتماع للبدء في العمل انتصارا للقومية وللنهضة ولمعاني العروبة والاصالة ولعل اهم الاثار التي تركها هذا الحدث :
اولاً : التاكيد على ان مبادئ النهضة العربية هي مبادئ تطبيقية عملية جاءت لتبقى حية في النفوس ترتقي بالانسان العربي بما يليق ومكانته الصحيحة
ثانياً: ان الجميع يعمل لهدف واحد وان اختلف المكان ....
ثالثا: عززت اجراءات الامير عبدالله هذه، موقف الامير فيصل الذي كان قد وصل الى لندن بعد رحلته من حيفا الى بورسعيد ثم الى ايطاليا وبعدها الى لندن حيث قابل الملك جورج الخامس، الذي اكد بدوره ان القضية العربية ستكون موضع اهتمام بريطانيا وقد ارسل فيصل مضمون اتصالاته ببرقية لشقيقه عبدالله في معان.
وقد جاءت ردود الفعل ما بين مشكك ومؤيد لما يجري، ولكن العرب في غالبيتهم اذا ما اخذنا تلك الظروف السائدة كمقياس حكم فانهم يتجهون نحو قبول ارساء الدول العربية واستمرار المملكة العربية السورية التي انشأها فيصل في سوريا ....
وهنا نورد ما حدث بين الامير عبدالله ومظهر بك رسلان الذي كان متصرفا للسلط حينها ...
فقد خشي مظهر رسلان تطورات الوضع فارسل رسالة الى الامير عبدالله وهو في معان يقول فيها :
" انه بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرق الاردن ، فان كانت هذه الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الاغراض سياسية فالحكومة ستتخذ كل الاسباب المانعة لزيارتكم ....."
هذه كانت رسالة مظهر رسلان زعيم الحكومة الوطنية الذي اصبح فيما بعد رئيس الوزراء لاحدى حكومات شرق الاردن وكان من الرجال المخلصين الاوفياء، وهنا نورد اجابة الامير عبدالله بن الحسين.
"انني سأزور شرق الاردن زيارة احتلالية، وانا عينت من الحكومة العربية الملكية بسوريا، وانني انوب الآن عن جلالة الملك فيصل، ويجب ان تعلم ذلك، وانه لمن واجبك تلقي الاوامر من معان والا فسيعين غيرك محلك ".
كانت هذه الاجابة قبل ايام قلائل من مغادرة الامير عبدالله معان باتجاه عمان ... كانت هذه الاجابة، اجابة قائد مصمم على تحقيق الهدف، لا يخشى ، في سبيل الحق والاهداف السامية شيئاً .
وهكذا ابتدأ الركب الهاشمي يتنقل من معان الى عمان الذي ابتدأ محمله في يوم الاثنين في 20 جمادى الثانية سنة 1339هـ . الموافق للثامن والعشرين من شباط من عام 1921م .....
تحدثنا عن وصول سمو الامير عبدالله بن الحسين الى معان في 21 تشرين الثاني 1920م وبدء اتصالاته لتحقيق الاهداف التي من اجلها وصل الى هذه المنطقة... هذه الاهداف التي باركها الشريف الحسين بن علي الذي ودع نجله عبدالله عند مغارته مكة المكرمة- والذي انتقل الى المدينة المنورة ليبدأ رحلته من هناك الى معان والتي استغرقت سبعة وعشرين يوماً رافقه فيها الشريف شاكر بن زيد وعلي إبن الحسين الحارثي الذي كان له الدور في الاتصالات في شرق الاردن والشريف محمد علي البديوي ومنصور بن فتن وعقاب بن حمزة والشيخ مرزوق التخيمي الهيمق ومحسن الحارثي وحسن الشقران، وعدد من الضباط العراقيين وهم دادود المدفعي ومحمود بك الشهواني وسعيد الطلال .
عمان ووصول ركب التأسيس
انطلقت رحلة التأسيس يوم الاثنين 28 شباط1921م لتحط الرحال في عمان في ظهر يوم الاربعاء 2 اذار 1921م ليكون ذلك اليوم، يوم ميلاد شرق الاردن الذي نما واكتمل ليصبح المملكة الاردنية الهاشمية في 25 ايار 1946م...
وقد قام سمو الامير عبدالله بوداع اهل معان الذين احسنوا الضيافة وكانوا اهل الكرم والجود والاصالة، وخطب سموه في الجمع كلمة مختصرة هي سامية في معناها حيث قال سموه :
" انني الآن مودعكم، واود ان لا ارى بينكم من يتعزى الى اقليمه الجغرافي ، بل احب ان ارى كلا منكم ينتسب الى تلك الجزيرة التي نشأنا فيها وخرجنا منها، والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي .....
غادر الامير عبدالله معان بعد ان تهيأت الظروف وبعد ان قدم اهل شرق الاردن عريضة لسموه رفعها "سعيد خير" والذي ترأس حملة لجمع التبرعات لتمويل رحلة التأسيس " هذه العريضة التي وقعها العديد من زعامات شرق الاردن احدثت اثراً كبيراً لدى القيادات البريطانية وحركت بعض الاتجاهات المعارضة ... فعندما وصل سموه الى محطة الجيزة يوم الثلاثاء الاول من اذار 1921م، اعترض سموه عند باب القطار مظهر رسلان حاكم السلط حينها وقال لسمو الامير :-
ارجو ان تعودوا الى معان، فان المعتدين البريطانيين في شرق الاردن قد انسحبوا الى فلسطين واخلوا الطريق لفرنسا كي تخرجكم ان دخلتم ""
وهنا يصف الامير عبدالله هذا الموقف في مذكراته فيقول:
".... وكانت يده ترتجف وهو متعلق بشباك عربة القطار، فقلت له: لا بأس عليك ولا خوف علينا، ثم دفعت يده من ملتزمها فانحط الى الارض ....."
استقبل سموه في محطة الجيزة شيوخ القبائل من بني صخر واكرموا وفادة الامير ومن بصحبه من شيوخ الحويطات والكرك ومعان الذين رافقوه في رحلة التأسيس هذه ... واقام سموه ليلته بين عشيرته واهله وفي اليوم الثاني الاربعاء اكمل القطار رحلته الى عمان ليحط في ماركا الشمالية الساعة الحادية عشر ظهراً من يوم الاربعاء الثاني من اذار من عام 1921م ويستقبله اهل عمان وشيوخ المنطقة والشراكسة واهل ناعور ووادي السير وغيره .
لقد كان الاستقبال ليؤكد تصميم شرق الاردن على الارتقاء في البلاد نحو الافضل واكد ايضا على الاجماع على قيادة الامير الهاشمي عبدالله بن الحسين لهذه الديار ......
ورغم معارضة بريطانيا لقدوم الامير عبدالله الى عمان ومحاولتها ثني سموه عن طريق التشويش وتوزيع المنشورات المضادة رغم ذلك فقد كان المستر كيركبرايد ببزته العسكرية في مقدمة المستقبلين حيث كان يمثل بريطانيا في عمان ويرتبط بالسير هربرت صموئيل في فلسطين .....
اول خطاب هاشمي فوق ارض الاردن
في اليوم التالي الخميس 3 اذار 1921م خطب سمو الامير عبدالله في الجموع، وتالياً نص هذا الخطاب الاول فوق الارض الاردنية :
"سروركم بنا وترحيبكم لنا واجتماعكم علينا امر لا يستغرب . انتم لنا ونحن لكم وانني لم اغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم ووطنيتكم امر لا يخفى على الكون كله، وضالتكم المنشودة هي عبارة عن حقكم الذي تطلبونه، ويمكنني ان اقول بأن الله لا يترككم هكذا، واني اقول لكم بانه اذا جاء الوقت لاستعمال ما تستعمله الامم من القوة عند ذلك تثبتون بانكم ما وجدتم ضعفاء، ولكن لا تموتوا بلا شرف، فلا اريد منكم الا السمع والطاعة، وما جاء بي الا حميتي وما تحمله والدي من العبء الثقيل. ولو كان لي سبعون نفساً بذلتها في سبيل الامة لما عددت نفسي اني فعلت شيئا" .
هذه هي اول كلمات الامير الهاشمي عبدالله الذي تحمل المشاق والاعباء وواجه الصعاب والتحديات، سواء من بعض اهل البلاد او من اصحاب النفوذ لكن ارادة الامير الهاشمي هي التي اكدت حقيقة ان الحق سيعلو مثلما كان يعلو هذا الحق على صفحات الجريدة الاولى في شرق الاردن، جريدة الحق يعلو التي كانت تصدر في معان .....
ويتحدث سموه في كتاب المذكرات في الصفحة 165 فيقول :
" وبعد الدخول جرى احتلال المنطقة بكاملها وكانت تصدر الاوامر من عمان .... وكان الناس في فترة لا يزور احدٌ احداً، البلقاء للبلقاء ، وعجلون ولواؤها لعجلون واهله، والكرك والطفيلة كذلك، فجمعنا كل هذه الاقطار ووحدنا وزال الخلاف بينها .
مفاوضات التأسيس وتكوين الدولة الاردنية
وصول الامير عبدالله بن الحسين الى شرق الاردن هو الوصول الى منطقة سوريا الجنوبية التي تقع جنوب خط اتفاقية سايكس بيكو، ولم يغب عن باله ابدا النضال من اجل اعادة الامور الى وضعها الصحيح في دمشق ... وهنا بدأت الاتصالات مع السير هربرت صموئيل في القدس في الوقت الذي تواجد فيها المستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية وايضا كان المستر لورنس "يتواجد في السلط حينها ... واجتماع هؤلاء في هذه المنطقة انما هو لسببين :
اولا : مراقبة فرنسا ومدى التزامها باتفاقية سايكس بيكو، اضافة لتطور الاوضاع في داخل سوريا ولبنان .
ثانيا: متابعة الوضع في شرق الاردن إثر وصول الامير عبدالله بن الحسين رغم التحذيرات البريطانية تلك التي اظهرت القلق من الوضع الجديد والذي ازداد الآن .....
ارسل المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل العديد من التقارير الى الحكومة البريطانية بدءاً من مطلع شهر كانون الثانـي 1920م تتحدث عن ازدياد النشاط الهاشمي في المنطقة، وان الامير عبدالله لديه خطة لمهاجمة الفرنسيين في دمشق، وان عمان اصبحت مركزاً لكل الاحرار والوطنيين التي كانت تسميهم السلطات الفرنسية والبريطانية بالخارجين عن القانون ...
كانت هذه الاحداث تتسارع في عمان، والشريف الحسين بن علي يتابع الوضع من الحجاز، وهنا ارسل الشريف حسين برقية للامير يقول فيها :
ان وزير المستعمرات البريطاني المستر تشرشل موجود في القدس وربما طلب زيارة وادي عربة او رغب في ان يدعوك الى القدس ليراك، فاذا كان احد الشقين من رغباته فاتم ذلك بكل اكرام ورعاية ..."
ولم يمضِ وقت طويل حتى استلم سمو الامير عبدالله دعوة من السير هربرت صموئيل يدعوه لزيارة القدس ومقابلة وزير المستعمرات ونستون تشرشل ... واجاب سمو الامير الدعوة وانتقل الى السلط والتقى هنا بـ لورانس الذي كان بانتظاره، وغادروا عبر وادي شعيب باتجاه القدس ويتحدث الامير عبدالله عن هذه الزيارة فيقول " وتوجهنا في اليوم التالي الى القدس، وتغدينا بالطريق عند المدفع التركي المقذوف في نهير شعيب ، وكان معي في سيارتي "لورنس" وكانت سيارة عسكرية بريطانية يقودها جاويش بريطاني. وكان معي في الركب كل رجالات سوريا وفلسطين ورأيت بالنزل في اريحا جل اعيان فلسطين وعلى رأسهم موسى كاظم الحسيني رحمه الله، ومن علماء، واعيان ومحامين ورؤساء روحيين فكانت خطب حماسية واجوبة مناسبة ....
ويستمر سموه في وصف لقاء ذلك اليوم وما دار من مداخلات مع هربرت صموئيل ومع لورنس الذي لم ينفك عن نقل افكار صموئيل للامير عبدالله وهما في طريقهما من السلط الى القدس ....
لقد كان واضحا ان بريطانيا تسعى لاعادة ترتيب اوضاع المنطقة، ليس من اجل مصالح سكان المنطقة واوضاعهم وانما حفظا للمصالح البريطانية وللنفوذ والوجود البريطاني في المنطقة الذي اصبح مهددا بسبب النفوذ الفرنسي ... ومن هنا كانت مطالبة هربرت صمئيل لحكومته مستمرة لان ترسل بريطانيا قوات عسكرية لاحتلال شرق الاردن.... وقد كان يقلق بريطانيا حينها الوضع في العراق حيث برزت مسألة عرش العراق، ويقلقها ايضا النشاط الهاشمي والتفاف الشعب حول الامير عبدالله بن الحسين ... اضافة لعدم ارتياحها لمواقف الشريف الحسين بن علي المتشددة والثابتة من القضايا العربية " ولعل هذه كانت محاور المباحثات ما بين الامير عبدالله وونستون تشرشل هذه المباحثات التي ضمت المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل والسكرتير العام لفلسطين السير " وندهام ديدس: والكولونيل "لورنس" ومن الجانب العربي كان عوني عبدالهادي ...
ويصف سمو الامير عبدالله بن الحسين طبيعة هذا الاجتماع وما دار به حيث يقول في النسخة الاصلية لمذكراته صفحة 168 :
"ففتح الحديث وزير المستعمرات بذكر المقاصد الطيبة التي جمعت بريطانيا والعرب في الحرب وبالامال المنوطة بتلك الروح وبذكر التعاون الذي حصل في الحرب ، ثم ذكر جهود بريطانيا في الحيلولة دون حدوث جديد بين فرنسا والعرب، ثم قال: "لذلك ولان انكلترا محايدة في القضية بين العرب والفرنسيين وهم حلفاؤها - فانها تنصح- وهو يبلغ هذه النصيحة اليّ - بلزوم انصراف الامير فيصل بن الحسين عن سوريا وسفره الى العراق ليرشح نفسه لمُلك العراق .... وان الحكومة الانجليزية تعلم ان فرنسا لا تشتغل بوجه الا للشخص الذي تعتمد عليه، وان طلاب عرش العراق كثيرون منهم ابن النقيب، ومنهم ابن سعود، وخزعل علي خان، وانه يجب على ان اساعد على هذا الغرض وأوثر على والدي ان يقبل به، وان اؤثر العراق ان يرضوا بالامير فيصل وان ابقى هنا في شرق الاردن على تفاهم معهم، فاسير في الناس سيرة تبتعد عن تحدي الفرنسيين، وانه اذا تم هذا فانه يؤمل ان تعيد فرنسا النظر في الامر، وبالنتيجة فانه يعتقد الاستطاعة بعد ستة اشهر في ان يهنينا برجوع الشام الى ايدينا .... ."
لقد استمرت المناقشات والمباحثات التي تناولت قضايا مختلفة وسموه يفكر في مستقبل هذه الامة، وانه يعمل من اجل صالحها وبمشورتها وهذا واضح من كلماته التالية في ختام المباحثات:
اما فيما ينبغي ان اعلمه هنا فانني اوافق على وجاهة الرأي، ولكن لا استطيع قبوله حتى اعرضه على زعماء البلاد واحزابهم، وهم هنا معي ومن غاب فله من يمثله، واجيبكم غداً في مثل هذه الساعة، اما اهل فلسطين فهم يرفضون وعد بلفور ويصرون على عروبة فلسطين، وكذلك ولا نستطيع ان نرضى بفناء اهل فلسطين من اجل يهود العالم، وانهم ليسو كالنبات او الشجر كلما قُلم نبت ولهذا شأن يطول ...."
وانتهت المباحثات هذه بقرار زيارة هربرت صموئيل الى عمان لوضع الاساس للاتفاق على تشكيل للادارة في جميع نواحيها/ الجيش، المال والمعارف،و العدلية وسائر الفروع .....
اننا ونحن نتحدث عن نشأة الدولة الاردنية علينا ان ننظر للوقائع والاحداث بالمنظار الملائم الذي به ندرك الظروف والاوضاع التي كانت سائدة في العقد الثالث من هذا القرن ... وقد نتوقف كثيرا ومليا عند بعض الاحداث ولا نستطيع تصور مجرياتها لتأثرنا بخصائص هذا العصر الذي يشهد تحولات وتغيرات سياسية هذه نفسها ستكون غريبة عن الجيل الذي سيأتي بعد ستين او سبعين سنة .
لقد نشأت الدولة الاردنية في ظروف سادتها الاطماع الاستعمارية التي اهملت رغائب الشعوب واصابها الغرور والغطرسة بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الاولى ووجدت نفسها امام تركة كبرى تلك التي اصطلح عليها " المسألة الشرقية" فاغرقت هذه الدول في اسلوبها وعقد الاتفاقيات حولها .
مباحثات الامير عبدالله بن الحسين في القدس مع ونستون تشرشل استغرقت 3 جولات في 28و29و30 اذار 1921م، والتي تم فيها بحث العديد من القضايا في ضوء ما افرزه مؤتمر الشرق الاوسط في 12 اذار 1921م، وكذلك توصيات لورنس وتوصيات واقتراحات هربرت صموئيل، اضافة للمطالب اليهودية باعتبار ارض الاردن هي جزء من وعد بلفور، ولكن نجاح الامير عبدالله في مفاوضاته مع تشرشل كان سببا في اصدار قرار من عصبة الامم التي كانت تمثل الشرعية الدولية حينها بالاعتراف بشرق الاردن كوحدة جغرافية وسياسية مستقلة وقد صدر القرار في 23 ايلول 1922م وقد نص هذ1 القرار الذي وافقت عليه عصبة الامم على ما يلي :
" لاتطبق المواد التالية من صك الانتداب الفلسطيني على القطر المعروف باسم شرقي الاردن والذي يشمل جميع المقاطعات الواقعة الى شرق خط يمتد من نقطة واقعة على خليج العقبة على بعد ميلين الى الغرب من بلدة العقبة، ماراً من منتصف وادي عربة والبحر الميت ونهر الاردن حتى المنطقة التي يلتقي فيها هذا النهر بنهر اليرموك ثم منتصف هذا النهر حتى الحدود السورية" ...
انتهت مباحثات الامير عبدالله مع ونستون تشرشل في 30 اذار 1921م، ليعود بعدها سموه الى عمان وليشرع بتشكيل اول حكومة اردنية في الحادي عشر من نيسان من عام 1921م برئاسة رشيد طليع وهو درزي وقد سمي الرئيس حينها باسم " الكاتب الاداري" " وسمي المجلس بــ "مجلس المشاورين" الذي تشكل من سبعة اعضاء هم :
رشيد طليع كاتبا اداريا ورئيس مجلس المشاورين ووكيل الخارجية
الامير شاكر بن زيد(حجازي) نائب لشؤون العشائر
الشيخ محمد الخضر الشنقيطي قاضي القضاة
(حجازي) مظهر بك رسلان (سوري) مشاور العدلية والصحة والمعارف
علي خلقي بك مشاور الامن والانضباط
حسن بك الحكيم مشاور المالية
احمد مريود معاون نائب العشائر
لقد اسرع الامير عبدالله بن الحسين في تشكيل هذه الحكومة استعداداً لزيارة المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل، وقد كانت هذه خطوة دستورية لها اهدافها لاظهار القدرة الاردنية بقيادتها الهاشمية لان تتحمل مسؤولياتها في ظروف صعبة ودقيقة للغاية ....
وفي 17 نيسان 1921م قدم هربرت صموئيل الى عمان ومعه السكرتير الاداري والمدني "وندس" ولورنس واللورد ادوارد هاي " (Edward Hay) وتعتبر هذه اول زيارة لممثل دولة عظمى لهذه الدولة الناشئة التي مضى على وجودها فقط ستة واربعون يوماً وكحكومة خمسة عشر يوماً وقد تبادل سمو الامير، والمندوب السامي الكلمات وجاء في كلمة المندوب السامي :
"كان من دواعي سروري انني حظيت بمقابلة صاحب السمو الامير عبدالله بدار الحكومة في القدس بمناسبة زيارته لفلسطين، كما حظيت بمقابلة السير ونستون تشرشل احد اعضاء الوزارة الانجليزية
ان الحكومة البريطانية ترحب بالفرصة السانحة للتعاون في شرقي الاردن مع سمو الامير عبدالله، الذي لها في حسن نيته وصداقته كل ثقة، وهي تقدر قيمة الصداقة وحسن النية التي تجلت في خلال هذه الحرب الضروس التي دارت رحاها في كل هذه المدة الطويلة، وتعلم الحكومة البريطانية كما تقدر الخدمات التي قدمتها جيوش العرب في ذلك الكفاح وترغب في ان توطد زمن السلم دعائم التحالف الذي بنى خلال هذه الحرب ...")
وكان جواب الامير عبدالله بكلمة موجزة تلخص فكرة العروبة لهذه الدولة الناشئة حيث قال سموه : انني اشكر فخامتكم على خطتكم القومية واقول بالاصالة عن نفسي وبالنيابة عن الحاضرين ان الامة العربية ستبرهن على انها قادرة على تحقيق الامال التي وضعت فيها وانها جديرة بكل ما تساعدهم فيه حليفتهم الكبرى.
استقرار الدولة والاستقلال الاول
رغم ان احداثا عديدة قد وقعت في منطقة شرق الاردن استهدفت امن البلاد واستقرارها الا ان سمو امير البلاد استمر في خطته التي تستهدف تحقيق الاستقلال واستكمال اجراءات الدولة الدستورية، ولهذه الغاية فقد قام سموه وبمعيته الرئيس رضا الركابي بزيارة الى لندن في 3 تشرين اول 1922م وعاد في مطلع كانون الثاني عام 1923م بعد مفاوضات طويلة اسفرت عن مشروع معاهدة اردنية بريطانية بحيث بقي رئيس مجلس المستشارين لاتمام مراسيم التوقيع عليها وقد تحدث سموه عن زيارته حيث قال:- لا شك انكم تتطلعون الى ما ستسمعونه عن رحلتي وانها والحمد لله فيها كل ما هو مطابق لمصالحكم ورغائبكم، خصوصا امر استقلال منطقتكم فانه الجزء المهم من سلسلة التشبتات التي ستطلعون على تفاصيلها بعد قدوم دولة رئيس المستشارين المتخلف هناك لانهاء هذه الاغراض .....
وعلاوة على هذا اقول لكم انني رجعت وكلي رجاء في الوصول بمشيئة الله الى النتيجة الحسنة فيما رمت اليه النهضة العربية المستندة الى الآمال القومية وانني كما قلت للجموع في موقفي هذا عند قدومي الى هذه المنطقة كما تتذكرون، من انه لو كانت لي سبعون نفساً فقدمتها كلها في سبيل القومية والوطن لما رأيتني قمت بالواجب . ويواصل سموه حديثه: ولكن لخدمة الوطن وجوهاً ولكل وجه سبباً، وافضل تلك الوجوه واسلمها عاقبة اقلها ضرراً، ومع انني عالم بثقل ولوازم الوطن ومقتضياته ومتاعب الوصول الى غاياته، اقول ان كل هذه الصعاب ستذلل ان شاء الله بالحكمة القومية والتعقل العبقري اللذين ورثتموهما عن ابائكم مع الاتكال على الله في كل الاحوال:-
ويضيف سمو الامير عبدالله فيقول:-
ويحسن بي القول هنا ايضا انني قد عدت من هذه الرحلة وانا مشاهد آثار المودة البريطانية التي سنجني باستمرارها حقائق المنافع المرموقة، وكما انني عظيم الرجاء في أن الحكومة الفرنسية الفخيمة الموجودة الآن، على الوجه المعلوم بالقسم الشمالي من وطننا المحبوب، لا تحمل حقداً على قوميتنا وقضيتنا واننا بمشيئة الله سنصل قريبا الى اسعاد الوطن كله بتعضيد دولتي التحالف الكبيرتين وانكشاف الامال الشريفة القومية على وجه المطلوب ...."
وقدم سموه الشكر في كلمته لأهل البلاد على احترامهم لسيادة الوطن خلال غيابه ولكل الموظفين الذين قاموا بواجباتهم ويختتم سموه حديثه بقوله : " وهنا اعلن بلسان الصرامة تأكيد عزمي السابق من جعل هذه البلاد دعامة وامان، ترتاح لحسن ادارتها اقطار محبيها خالية من وجود شكاوي قاطنيها ومجاوريها ... واتعشم انني اصبت بهذه الصورة ما يرتأيه محبو الوطن وطالبو الخير له .
والله الموفق لما فيه النجاح والمصوب لما فيه السداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نورد هنا خطاب سمو امير البلاد لانه بحق وثيقة تاريخية تتحدث عن ظروف المفاوضات واهدافها وبتلك الصيغة البليغة التي كان يتحدث بها سموه، صيغة الشعر والادب الذي كان لسموه المجالس الخاصة بهما سواء في قصر رغدان وفي المصلى في الغور الاردني .
ومثلما اختط الاردن طريق بناء مؤسسات الدولة فانه انتقل ايضا الى مرحلة اعلان الاستقلال وقد مر ذلك بمرحلتين
المرحلة الاولى: اعلان الاستقلال في 25 ايار 1923م
المرحلة الثانية: اعتراف بريطانيا بهذا الاستقلال بصفتها الدولة المنتدبـة بموجب قرار عصبة الامم المتحدة الصادر بتاريخ 23 ايلول 1922م وقد جاء هذا الاعتراف في نهاية شهر تشرين الاول 1922م
في 15 ايار 1923م اقيم حفل رسمي شارك فيه رجالات الاردن وفلسطين وايضا السير هربرت صموئيل ومعه الجنرال كلايتون الذي يعمل في المكتب العربي في القاهرة والذي كان له دور كبير خلال عمليات الثورة العربية الكبرى، وقد القى سمو امير البلاد خطبة طويلة استهلها بمقدمة تاريخية عن مجد الامة العربية وما اصاب هذه الامة بعد العهد العباسي من تغييب وطمس ... وهنا يقول سموه" فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواما لها وقائدا لأمورها...."
ويتحدث سمو امير البلاد عن مفاوضاته مع جلالة ملك بريطانيا مثمناً اعتراف جلالته باستقلال هذا القسم من المملكة العربية وان الحكومة ستشرع بتعديل قانون الانتخاب ووضع القانون الاساسي لشرق الاردن .
وشكر سموه كل الذين ساهموا في انجاز المعاهدة او في خطوات الاستقلال وارساء قواعد الدولة، وخص بالشكر المندوب السامي في فلسطين وكبير المعتمدين المستر فلبي (Velbi) وتناول فرنسا في حديثهِ حيث يقول:
" اني لآمل ان يكون موقف الدولة الفرنسية الفخيمة تجاه قضيتنا العربية المقدسة وتجاه القسم الشمالي الباقي من وطننا المحبوب آخذ بها الى عهد جديد كاف للدلالة على احترام ابناء الثورة الفرنسية لحرية الاقوام واستقلالها ...."
ويضيف سموه عن يوم الاستقلال: " واني آمل ان يكون هذه اليوم سعيداً للامة تتخذه عيداً تظهر فيه سرورها وحبورها ومنه تعالى نستمد العون ونسأله ان يطيل بقاء وتوفيق جلالة امير المؤمنين مولانا الحسين بن علي بن محمد بن عون والله ولي التوفيق ...."
ولكن هل كان اعتراف بريطانيا بالاستقلال كاملاً، وهذا ما ورد في حديث هربرت صموئيل في نفس المناسبة ويوم الاحتفال عندما نقل تحيات جلالة الملك جورج الخامس واستعرض الدور العربي في الحرب العالمية الاولى واسنادهم للحلفاء، مما كان له اثر كبير في تحقيق الانتصار، وتناول المعاهدة ما بين بريطانيا والشريف الملك الحسين بن علي والذي قال عنها: ان المعاهدة تدل على ان النهضة العربية قد دخلت في طور جديد ولكن ما يهمنا هنا هو حديثه التالي:
" وها نحن نحتفل الآن، بالاتفاق الذي عقد مع سمو الامير في اثناء زيارته لجلالة الملك جورج والحكومة البريطانية، ولا يخفى عليكم ان الاتفاق ينص على اعتراف حكومة جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن برئاسة صاحب السمو الامير عبدالله بن الحسين، شريطة ان توافق جمعية الامم على ذلك، وان تكون حكومة شرق الاردن دستورية تمكن جلالة الملك من القيام بتعهداتها الدولية فيما يتعلق بتلك البلاد بواسطة اتفاق يعقد بين الحكومتين ..."
واعرب صموئيل عن اعجابه بهذه الدولة الفتية التي شقت طريقها وسط القلاقل والتحديات والاضطرابات سواء من جهة الشرق بالغزوات التي تعرضت لها او من الشمال من مضايقات الفرنسيين وملاحقتهم للوطنيين خاصة بعد حادثة محاولة اغتيال الجنرال غورو .
لقد استمر الاعمار الداخلي وبناء القوات المسلحة والارتقاء بمؤسسات الدولة الدستورية الى ان عقدت معاهدة ما بين سمو الامير عبدالله إبن الحسين وجلالة ملك بريطانيا الذي فوض المارشال "بلوفر" حيث وقعت المعاهدة في القدس في العشرين من شباط 1928م، وقد تضمنت المعاهدة إحدى وعشرين مادة، ويوجد نص هذه المعاهدة في الجريدة الرسمية "جريدة الشرق العربي العدد 185 الصادر بتاريخ 26 اذار 1928م ....
بدء الحياة البرلمانية الاردنية
ولتنظيم شؤون الدولة وارساء قواعد الديموقراطية، فقد جرت اول انتخابات تشريعية وتبعها افتتاح الدورة الاولى للمجلس التشريعي الاولى المنعقد في شرق الاردن يوم السبت الواقع 2 تشرين الثاني 1929م، حيث القى سمو الامير عبدالله خطاب العرش الذي استعرض فيه احداث الساعة ونقتبس من الخطاب ما يلي:
" لقد حمل الي فخامة المندوب السامي البريطاني لشرق الاردن في زيارته الاخيرة نص المعاهدة المبرمة من صاحب الجلالة البريطانية مشفوعة بكتاب من فخامته يقول فيه " انه قد امر ان يحيطنا علماً باعتراف الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن وانه قد عهد الينا بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الاردن وان يُؤَدى الينا ما يُؤدى للامراء الملكيين ورؤساء الدول من تحية مألوفة "-
وتالياً نص الاعتراف باستقلال شرق الاردن والذي صدر في 29 تشرين الاول 1929م
صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن الحسين المعظم امير شرق الاردن بعمان :
" وقد امرت ان احيط سموكم علماً بأنه بناءً على اعتراف جلالة الملك بوجود حكومة مستقلة في شرق الاردن وبما انه قد عهد الى سموكم بالتشريع والادارة في تلك الامارة بلا قيد غير التحفظات المنصوص عليها في اتفاقية شرق الاردن، لذلك اعلن صاحب الجلالة موافقته على اطلاق واحد وعشرين مدفعا تحية لسموكم في الظروف المألوفة وهي التحية التي تؤدى عادة للامراء المالكين ورؤساء الدول ."
وتفضلوا صاحب السمو بقبول خالص احتراماتي
تشانسلور
المندوب السامي لشرق الاردن
وبذلك تحقق استقلال امارة شرق الاردن التي كانت تعرف باسم حكومة الشرق العربي في عام 1929م في التاسع والعشرين من شهر تشرين اول ...
ان قصة تكوين الدولة الاردنية انما هي قصة النهضة العربية التي استهدفت انشاء الدولة العربية التي تنهض باعباء المسؤولية وتؤكد الشخصية العربية وتعيد العرب الى غابر مجدهم ليأخذوا مكانهم الصحيح...
بينما كان فيصل بن الحسين يغادر الديار العربية لم ينس رغم كل الضغوط والظروف وحدة البلاد العربية على اساس فكر ومبادئ النهضة العربية، فكانت اتصالاته وهو في حيفا اسهاما فاعلا في البدء بتشكيل الدولة العربية الاردنية الهاشمية بعدما حصل ما حصل اثر معركة ميسلون، وكان التقدم الهاشمي الجديد نحو بلاد الشام حيث بدأ عبدالله بن الحسين زحفه لتبقى مبادئ النهضة حية ماثلة وليبقى العرب كما هو عهدهم اصحاب استقلال وسيادة، فكانت خطوات التأسيس في شرق الاردن وكان الاستقلال الذاتي في عام 1923م ، ثم الاستقلال المعترف به في التاسع والعشرين من تشرين اول 1929م ....
نشطت اثر هذه التطورات الحركة الديموقراطية في الاردن خاصة بعد ان كفل القانون الاساسي لشرق الاردن الذي صدر في 16 نيسان 1928م وتألف من سبعين مادة في سبعة فصول تناولت حقوق الشعب وواجبات الامير وحقوقه والتشريع والقضاء والادارة ونفاذ القوانين والاحكام ....
وهنا ظهرت عدة احزاب منها حزب الاستقلال العربي الذي تعود نشأته لعام 1921م عندما طلب الامير عبدالله من رشيد طليع تأليف حزب سياسي .... وتشكل حزب العهد العربي الذي اعلن ان برنامجه هو على اساس استقلال جميع البلاد العربية تحت ادارة الملك الحسين بن علي وانجاله ويعود تأسيسه ايضا الى عام 1921م وجمعية الشرق العربي التي دعت الى استقلال سوريا بحدودها الطبيعية وحزب الشعب الاردني الذي تشكل في عام 1927م ... ويتطور العمل الحزبي ليخرج بالمؤتمر الوطني الاول في مقهى حمدان بعمان في 25تموز 1928م والذي دعا الى استقلالية الدولة وحقوق الشعب، هذا المؤتمر الذي انتخب الشـيخ حسـين الطراونة رئيســاً، وتشـكل ايضا الحزب الحر المعتدل والذي تشكلت ادارته من رفيفان المجالي رئيساً، هاشم خير وسعيد المفتي ومحمد الانسي ونظمي عبدالهادي وتشكلت احزاب اخرى بموجب القانون الاساسي لشرق الاردن مثل حزب التضامن الاردني والحزب الوطني الاردني وحزب الاخاء الاردني وعقدت مؤتمرات عدة مثل مؤتمر التضامن الاقتصادي الاول وتشكل هذا المؤتمر من شخصيات منهم ماجد العدوان وحمد بن جازي ودليوان المجالي وخليل المدانات وشمس الدين سامي وحديثة الخريشة وراشد الخزاعي ومحمد الفنيش، وقد ناقش المؤتمر موضوع جدولة ديون المزارعين وتوزيع ضريبة الاعشار وغير ذلك...
ان الفترة ما بين توقيع المعاهدة الاردنية البريطانية عام 1923م، وحتى فترة اعلان استقلال الاردن عام 1946م كانت حافلة بالاحداث، عدا عن النشاط السياسي الديموقراطي الحرّ الذي كفله القانون الاساسي لشرق الاردن فقد حدثت بعض القلاقل الداخلية التي سرعان ما عولجت .... ونشبت الثورة الفلسطينية عام 1936م تلك التي وقف الاردنيون معها، هذه الثورة التي رفعت علم الثورة العربية الكبرى شعاراً لها ولا زال علمها حتى الآن ... وبدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939م هذه التي كررت احداث الحرب العالمية الاولى في المنطقة ... فاشترك الجيش الاردني بفاعلية فيها، وشاركت قواته في منطقة صحراء العلمين، ودخلت القوات الاردنية الى سوريا عام 1941م لقتال حكومة فيتشي (Vichi) الموالية لدول المحور ووصلت قواته الى حمص .... ودخلت هذه القوات الى العراق اثر انقلاب رشيد عالي الكيلاني، واثناء الحرب كانت الاتصالات مع بريطانيا لاعلان الاستقلال التام للدولة الاردنية فكان رد بريطانيا ان انشغالها في الحرب يمنعها حالياً من التفكير في مثل هذه القضايا ... وما ان انتهت الحرب حتى طلب الاردن من بريطانيا ان تفي بوعودها ... فكان ذلك اولا بابرام معاهدة جديدة وقعت بشكل نهائي في 17 حزيران 1946م وقد تألفت من اربع عشرة مادة اضافة لملحق من عشر مواد، وقد نصت المعاهدة على التعاون الثنائي في جميع المجالات وكذلك اعتراف بريطانيا باستقلال شرقي الاردن وان تكون مدة المعاهدة خمسة وعشرين عاماً، وقد ادلى سمو الامير بتصريح حول المعاهدة لجريدة فلسطين التي كانت تصدر في يافا حينها في 12/5/1946م " يقول فيه " انني اعتبر المعاهدة الاردنية الانجليزية بركة على القطر وخير ما يمكنني الحصول عليه، ولا تقل اهميتها بحال عن اهمية المعاهدات العراقية- الانجليزية هذا اذا لم تكن خيراً منها....."
لقد شهدت البلاد تطورات عديدة منذ نشوء الامارة، فقد تضاعف حجم الاردن عام 1925م اثر ضم معان والعقبة بعد اتفاقية "حِدّة" الموقعة بتاريخ 25 حزيران 1925م، ونشطت حركة المقاومة السورية ونشبت الثورة الفلسطينية ومن ثم نشبت الحرب العالمية الثانية .... في ضوء كل هذه الاحداث فان القيادة الهاشمية لم تنس الواجب القومي ولا الواجب الوطني المؤسس على فكر نهضة العرب فقد ادلى سمو الامير عبدالله بتصريح ايضاً لجريدة في يافا قال فيه حينها في 11/5/1946م
" لقد كان هدف والدي بناء عالم عربي موحد ، ويجب ان يتألف في سوريا وشرق الاردن وفلسطين دولة واحدة . ولو لم تكن هذه الدولة مقسمة اليوم لكان في مقدورها الدفاع عن نفسها ضد اي عدوان وتحقيق اماني العالم العربي ....".
لقد كان الاردن اول كيان دستوري عربي يحمل صفات الدولة، وكان هذا البلد النموذج لتكوين الدولة المستقلة، ونقتبس هنا من محضر الاجتماع اثناء لقاء القمة السوري الاردني في عمان بتاريخ 28/11/1950م في عمان الذي ضم اضافة لجلالة الملك عبدالله كلا من الدكتور ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا ومعالي الزعيم فوزي سلو وزير الدفاع السوري حيث قال جلالة الملك عبدالله " اننا نحن آل البيت السبب الاول في رفعة العرب، فمجدهم الاول انبثق من بين يدي محمد صلى الله عليه وسلم ومجدهم الثاني انبثق من لدن باعث الثورة العربية الكبرى، ونحن السبب في ايجاد من نسميهم اليوم باصحاب جلالة واصحاب سمو واصحاب فخامة وغير ذلك ....
ونظراً لهذه التطورات فقد التأم المجلس التشريعي الاردني الخامس في 25 ايار 1946م تُليت فيه مذكرة رئيس الوزراء المؤرخة في 15 ايار 1946م التي تؤيد القرار الخاص باعلان البلاد باسم المملكة الاردنية الهاشمية استناداً لحق تقرير المصير ووعود الامم المتحدة ونظراً للتضحيات التي قدمها الاردن التزاماً بالمعاهدات والمواثيق، وتالياً نص القرار التاريخي الذي يعلن الاردن باسم المملكة الاردنية الهاشمية
" تحقيقاً للاماني القومية وعملاً بالرغبة العامة التي اعربت عنها المجالس البلدية الاردنية في قراراتها المبلغة الى المجلس التشريعي، واستناداً الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية، وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 3 جمادى الاخرة 1365هـ. الموافق 15/5/1946م فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الاردني امر استقلال البلاد الاردنية استقلالاً تاماً على اساس النظام الملكي النيابي، مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها (عبدالله بن الحسين العظيم)، كما بحث امر تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري، ولدى المداولة والمذاكرة تقرر بالاجماع الامور التالية :
اولاً: اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية.
ثانياً: البيعة بالمُلك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية (عبدالله بن الحسين المعظم) بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة (ملك المملكة الاردنية الهاشمية) .
ثالثا: اقرار تعديل القانون الاساسي الاردني طبقاً لما هو مثبت في لائحة قانون تعديل القانون الاساسي الملحق بهذا القرار .
رابعاً: رفع هذا القرار الى سيد البلاد عملاً باحكام القانون الاساسي ليوشح بالارادة السنية حتى اذا اقترن بالتصديق السامي عُد نافذاً حال اعلانه على الشعب ، وتولت الحكومة اجراءات تنفيذه مع تبليغ ذلك الى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية ...
اول ارادة ملكية سامية
صادق جلالة الملك المعظم على قرار اعلان الاستقلال مصدراً اول ارادة ملكية سامية موشحاً القرار بالعبارة التالية :
"متكلاً على الله تعالى اوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً لحكومتي ...." وقد جرى احتفال كبير قدمت فيه وثيقة البيعة بالمْلك وأُهديَ جلالته مصحفاً شريفاً من رئيس بلدية عمان والقيت كلمات عدة رد جلالته عليها بقوله :
" انه لمن نعم الله ان يدرك الشعب بان التاج معقد رجائه ورمز ومظهر ضميره ووحدة شعوره بل انه لامر الله ووصية رسِلَه الكرام ان يطالع الملك بالعدل وخشية الله لان العدل اساس الملك، ورأس الحكمة مخافة الله، واننا في مواجهة اعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميزان اسلافنا، المثابرون بعون الله على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع اخـواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الانسانية كلها....." .
وكان من مقررات الدولة الاردنية اعتبار يوم 8 اذار عطلة رسمية تاكيداً لاحترام عرش فيصل بن الحسين صاحب اول استقلال عربي يعلن حينها بموافقة المؤتمر السوري العام .... وتقرر استمرار رفع علم سوريا الطبيعية واقراره دستوريا كتأكيد على واحد من اهم اهداف النهضة العربية الداعي للوحدة العربية ......
هكذا كان الاستقلال الاردني الناجز ونترك التفاصيل التي تمتلئ بها الكتب التي تتحدث عنها وتزخر بها المكتبة الاردنية وكذلك مراكز حفظ الوثائق .
لقد تطور الاردن دستورياً وهو يزداد تصميماً على تحقيق الوحدة والحرية والحياة الافضل والعمل من اجل خدمة القضايا العربية فقد قاتل الجيش العربي في حرب عام 1948م وقدم الشهداء وحافظ على القدس والضفة الغربية وتمكن من ابقائهما لتكون الضفة الغربية اساس الدولة الفلسطينية …..
وحقق الاردن افضل نموذج لوحدة اندماجية في 24 نيسان 1950م عندما اعلن مجلس برلمان الشعب الاردني والفلسطيني الوحدة التامة، ولم يتوان هذا البلد عن الاشتراك في كل الجهود العربية فكان هو صاحب الدعوة لانشاء مؤسسة القمة العربية التي دعا اليها جلالة الملك الحسين المعظم طيب الله ثراه منذ المؤتمر العربي الاول عام 1964م واكتسب الاردن بفضل قيادته الهاشمية سمعة دولة مميزة جعلته يشارك من خلال قواته المسلحة في عمليات حفظ السلام وواجبات هيئة الامم المتحدة في مختلف بقاع العالم ……..
لقد كان هذا البلد دوماً بلد المبادئ والاصالة والوفاء لقيادته الهاشمية المعتز بانتمائه للثرى العربي، هذا البلد الذي يقول عنه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه:
"وبلدكم الاردن هذا هو وارث مبادئ الثورة العربية الكبرى في الوحدة والحرية والاستقلال لكل العرب، عاش على ساحة عزيزة من ساحات النضال القومي منذ رفرفت في سمائه بقيادة عبدالله بن الحسين وهو قائد من قادة الثورة العربية الكبرى ومؤسس الاردن، وقد التف حوله واعانه العديد من رجال الرعيل الاول واهل السابقة من ابناء الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق والجزيرة العربية وغيرها من ديار العروبة، تجمعهم آمال واحدة وتحدو مسيرتهم غايات واحدة"
نظام الحكم :
نظام الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية ملكي دستوري، ويراعى في تشكيل الحكومة تمثيلها لمختلف الاتجاهات. يتربع جلالة الملك عبد الله الثاني على عرش المملكة، كما يتولى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
يمارس الملك سلطاته التنفيذية من خلال رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. ويعتبرمجلس الوزراء مسؤولاً أمام مجلس النواب المنتخب، والذي يشكل الى جانب مجلس الأعيان الذراع التشريعي للحكومة. وهذا الذراع يعمل باستقلالية تامة. ومنذ عام 1989، عكفت مختلف ألوان الطيف السياسي في الأردن على ترسيخ دعائم الديمقراطية وبناء إجماع وطني. هذه الاصلاحات التي وجه دفتها القائد الراحل جلالة الملك الحسين وضعت الأردن على طريق الديمقراطية الدائمة التي لا رجعة عنها. ونتيجة لذلك، تم تعزيز وترسيخ مشاركة الناس في الحياة المدنية والمساهمة في زيادة الاستقرار وبناء المؤسسية، وهي إجراءات من شأنها أن ترسي دعائم الأزدهار مستقبلاً.
حقائق أساسية :
عدد السكان: 5.16 مليون نسمة
الموقع: يقع الأردن في قلب منطقة الشرق الأوسط الى الشمال الغربي من السعودية وجنوب سوريا، والى الجنوب الغربي من العراق والى الشرق من اسرائيل والضفة الغربية المحتلة. ويتوافر للأردن منفذ الى البحر الأحمر، من خلال مدينة العقبة الواقعة على الطرف الشمالي لخليج العقبة.
الاحداثيات الجغرافية : 29
السبت يوليو 26, 2014 1:48 am من طرف هبه
» الدعاء للميت في الصلاة عليه
الجمعة يوليو 25, 2014 10:30 pm من طرف هبه
» عند زيارة القبور
الجمعة يوليو 25, 2014 10:17 pm من طرف هبه
» قصة فتاه تبلغ من العمر 27 سنه
الجمعة يوليو 25, 2014 9:58 pm من طرف هبه
» مطل العشاق
الجمعة يوليو 25, 2014 8:04 pm من طرف هبه
» اصنع حياتك
الجمعة يوليو 25, 2014 7:40 pm من طرف هبه
» شخصيات بارزه
الجمعة يوليو 25, 2014 5:15 pm من طرف هبه
» عبارت ترحيب رومانسية للترحيب بالاعضاء الجدد
الجمعة يوليو 25, 2014 5:06 pm من طرف هبه
» صيانة بريوس وغيار زيت فقط ب 20 دينار
الإثنين مايو 19, 2014 3:34 pm من طرف 4hybrid
» السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الأربعاء مارس 19, 2014 3:06 pm من طرف أبوساجد
» مسلسل (صد رد)
الأربعاء مارس 19, 2014 3:04 pm من طرف أبوساجد
» دورة تأسيسية في السيارات الكهربائية والهايبرد
الأربعاء يناير 15, 2014 4:36 pm من طرف 4hybrid
» حكمتين متناقضتين ايهما ستختار
الأحد ديسمبر 01, 2013 4:05 pm من طرف مويد ستلايت
» قريه كلها محفورة بالصخر..... صور
الأحد نوفمبر 17, 2013 7:25 am من طرف مويد ستلايت
» نكت نكت
الثلاثاء أكتوبر 15, 2013 6:23 pm من طرف كركية 38
» نداء الى ابناء الكرك الاعزاء
الجمعة مايو 31, 2013 3:03 am من طرف العربي
» اكبر مركز للسيارات الهجينة (الهايبرد) في عمان - الاردن
الخميس فبراير 21, 2013 4:33 pm من طرف 4hybrid
» ضيف حل في قلعتكم
السبت نوفمبر 24, 2012 3:37 am من طرف العربي
» موت الملائكة
السبت يونيو 23, 2012 1:18 am من طرف ابو صرار
» ملااااك الروح نورتينا
الأحد مايو 13, 2012 10:33 am من طرف العربي